حكم جميلة كان يتداولها أجددانا في قديم الزمان ومما لا شك فيه، أن الحكم والأمثال التي تدور بين الناس، وعلى ألسنتهم في كل يومٍ تقريبًا، وذلك على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم، إنما تشكل تجسيدًا للفكر وللحوار المجتمعي ونمط الحياة التي يعيشها الأفراد في ذلك المجتمع، كما أنها ترتبط أحيانًا بتاريخ الأمم، سواءً المعاصر منها أم القديم.
وباب الحكم والأمثال كان أحد أهم الأبواب في الأدب القديم، وكان يُدرس على نحوٍ أكثر تخصصًا ودقة في الجامعات المختلفة لأهميتها، كما صيغت له الكثير من الموضوعات، وكان مثارًا للنقاش والحوارات بين الأدباء والمفكرين، الساعين لرسم خرائط للحكم والأمثال، وفقًا للظروف التي يمر بها المجتمع، وحتى تصبح حكم جميلة، فلقد أصبحت مادة أدبية دسمة عصية على الاندثار.
أنواع الحكم وأبوابها المختلفة
لا يكاد يخلو مجال من مجالات الحياة، أو قسم من أقسامها، أو موضوعٌ من مواضيعها، من جانب من الجوانب التي يصح أن يطلق عليها حكم جميلة، ففي الحياة مئات الحكم والأمثال والعبر والكلمات المنمق، وفي حب الوطن يمكن أن نتغنى بكثيرٍ من حكم جميلة لا تعد ولا تحصى.
أما في مجال الحب والرومانسية والعواطف والمشاعر فهناك حكم جميلة كثيرة للغاية، في مجال الأخلاق هناك أيضًا حكم جميلة يعجز الكلام والكتابة عن وصفها وسردها، كذلك الحال مع الظلم، فقد نُسجت لأجل حكم جميلة لا حصر لها، وفي مجال التخصصات وعلى سبيل الحديث عن حكم جميلة فحدث ولا حرج، ففي الطب والهندسة والعلوم والفن والسياسة والرياضة الكثير والكثير من حكم جميلة شهد بجمالها وروعتها القاسي والداني، ويمكن استعراض بعض تلك المجالات والأبواب حول حكم جميلة ورائعة، وشرح بعضٍ منها في التقرير التالي.
حكم جميلة في مجال الحياة العامة
ففي الحياة العامة يمكننا قول الكثير والكثير من حكم جميلة وردت على لسان عظماء التاريخ القديم والمعاصر:
• "لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنيًا": تشير تلك الحكمة إلى معنى من أسمى معاني العزة والكرامة، فبالطبع، طالما ظللت واقفًا على قدميك متماسكًا، فلن يستطيع كائنًا من كان أن يمتطي ظهرك، أو يتحكم بك، وتصبح له الكلمة العليا والسلطان المبين عليك.
• "من جار على صبه جارت عليه شيخوخته": هذه الحكمة تحديدًا ورد لها الكثير من الأمثال والحكم المشابه في التراث القديم، فقد ورد عن أحد عباد الله الصالحين، وهو أبو الطيب الطبري، والذي كان قد جاوز المئة من عمره، وهو لا يزال في عنفوان قوته ويتمتع بعقله الراجح وحواسه الدقيقة، وقد وصل به الحال في إحدى أسفاره مع رفقاءٍ له، فحين اقتربت السفينة التي تحملهم من الشاطئ المقصود، هم الطبري أن ينزل من السفينة، فقفز منها قفزة طويلة، عجز عن القيام بها الكثير ممن كانوا بصحبته، وعليه، فقد أبدى الكثيرون ممن معه في رحلته استغرابهم من فعلته، وكيف أنه يتمتع بتلك القوة الجسدية والروحية الكبيرة، التي حباه الله إياها، مع ماله من سنٍ متقدمٍ وشيخوخة، فذكر لهم حينها الطبري مقالته الشهيرة أن تلك جوارح حفظوها في الصغر عن المعاصي والذنوب والآثام، فحفظها الله عليهم في تلك السن المتقدمة، وقد ورد ذكر تلك القصة في كتاب البداية والنهاية للإمام ابن كثير.
• "لو أنك لا تصادق إلا إنسانًا لا عيب فيه لما صادقت إلا نفسك": وفي هذا عزاء لمن ضاقت عليه دنياه بالظفر والفوز بصديقٍ لا تغيره الأيام، بصديقٍ عزيز على القلب والعقل، صديقٍ بلغة المصريين "جدع"، يصيب دومًا ولا يخطأ، له من صفات الملائكة الكثير، أشبه ما يكون بالنبي، وحاشه أن يكون ذلك، فهو يسري صاحب الضيق والحزن من فقدان صديقٍ بتلك المواصفات التي يمكن وصفها بالتعجيزية والخارقة للصفات البشرية المعتادة والمعروفة.
• "حين تصمت الأسود تبدأ الببغاوات بالثرثرة": تعتبر تلك الحكم من أجمل وأروع الحكم، وقد يرى فيها القارئ للوهلة الأولى شيئًا من الغرور والكبر في نفوس صاحبها وقائلها، خاصةً وإن كان يعاني عقدة من نقص في معالجة الأمور، أو الثقافة تحديدًا فيما يتكلم فيه، فيوصف المثقف حين إذن بالأسد لقوته وشجاعته في الحق، فحين يصمت لأي سببٍ من الأسباب، تنتهز الببغاوات بما لها من قدرة على الترديد والتكرار فيما لا يفيد أحيانًا الفرصة للحديث والثرثرة الكثيرة.
• "كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل، فكلما كثر زادت قيمته، وكلام الإنسان يدل على رجاحة عقله": هذا المثل على وجه التحديد اشتمل في حد ذاته على معانٍ عظيمة وكبيرة جدًا، فالطبع كل شيء إذا أضحى كثيرًا ومتداولًا ومتاحًا صار رخيص الثمن، مثله مثل البضائع المختلفة في الأسواق، فيما عدا العقل، فكلما تميز الإنسان برجاحة عقله، وعقلانيته في التعامل مع المواقف والأمور، كلما زادت قيمته وعلا شأنه، ولا أدل على ذلك من الكلام، فكلامُ الإنسان إنما يدل حقًا على رجاحة عقله وعلى حكمته وفطنته.
• "عندما يخطئ سهمك لا تفكر ما سبب الخطأ، ولكن اسحب السهم الثاني وفكر كيف تصيب بطريقة صحيحة": القارئ للوهلة الأولى لتلك الحكمة قد يظن فيها، معنًا للتكاسل أو التواكل، أو التغاضي عن الأسباب الحقيقية للناجح، إلا أنه في معناه الحقيقي يشير إلى عدم الوقوف الكثير التي ربما تقود إلى الوراء وتؤدي بصاحبها إلى حالة من الإحباط والخذلان، فتتحدث عن ضرورة أن لا يستجيب لدعوة عقله للتراجع، خاصةً إذا كان أمامه هدفٌ واضحٌ، لا ينقصه سوى التدريب الجيد والجاد من أجل الوصول إليه وتحقيقه، فعندما يُخطئ سهمٌ أطلق الإنسان للمرة الأولى، فعليه أن يعيد المحاولة في الحال، على أن يفكر مليًا كيف يصيب هدفه بطريقة صحيحة وبدقة أعلى وبتركيزٍ أكبر على الهدف المطلوب إصابته.
حكم جميلة في الحب والمشاعر والرومانسية
• " إذا كنت تحب امرأةً فلا تقل لها " أنا أحبك". إنّ هذه العبارة أوّل ما تجعل المرأة تفكّر في السّيطرة عليك ": و عن الحب والرومانسية يمكننا الحديث كثيرًا عن حكمٍ جميلة، ذكرها أشهر ملوك الفن والأدب والإبداع في العالم، ففي تلك الحكمة تحديدًا، يتحدث الممثل الأمريكي "كلارك جيبل"، محذرًا من كان مقبلًا على حب امرأة، بأن لا يخبرها صراحةً أنها يحبها، مشيرًا إلى أن تلك العبارة تحديدًا، تجعل المرأة أكثر استعدادًا ورغبة في التفكير في السيطرة الكاملة على قائلها، مطالبًا بشكلٍ ضمنيًا باختيار أسلوب أو عبارات مختلفة، وصولًا لنفس المعنى، ولكن دون ذكره صراحةً.
تتعدد الحكم، وتكثر مجالاتها، إلا أن تبقى في النهاية مجمعة على شيء واحدٍ، وهو الفضيلة وإزكاء الخلق القويم في الآخرين، فهي تقدم معاني مختلفة، وعبرًا مميزة، من عصارة الفكر والخبرة والنظرة الواقعية للحياة، من وجهة نظر صاحبها، إلى الحد الذي به يمكن اعتبارها دليلًا مطلقًا وخريطة واضحة يسير متبعها ويهتدي بها في ظلمات الجهل وضلالات الواقع المزيف.
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.