أرشيف

نتنياهو

فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال الحفل الذي أقيم مساء أمس في مقرّ رئاسة الدولة لمنح أوسمة الشرف للأفراد الذين تميزوا في مجال مكافحة تجارة البشر:
أيها الحاصلون على أوسمة الشرف، أرجو في مستهلّ كلامي أن أهنئكم. إننا نلتقي هنا كل عام حيث أتابع نشاطاتكم. وبالطبع، هناك في عملكم وإنجازاتكم بُعد شخصي يستحق كل إطراء غير أنني أعتقد بأنها ذات أهمية وطنية أكبر من ذلك. إذ إنكم تساهمون في محو الظاهرة القبيحة التي تصرّ دولة إسرائيل على مواجهتها بصورة لا هوادة فيها.
كما يسرّني القول هذا العام أيضاً- بناءً على معطيات موضوعية- إن إسرائيل تحتلّ مرتبة عالية جداً في قائمة الدول التي تكافح تجارة البشر. ولم يأتِ هذا الإنجاز صدفة، إذ إننا عاقدون العزم ومجتهدون في محاربة هذه الظاهرة. لقد فعلت ذلك الحكومات برئاستي وكذلك الأمر بالنسبة للمنظمات والمتطوعين الحاضرين هنا. غير أن الأمر ليس بديهياً لأن التأريخ الإنساني شهد حقباً طويلة- امتدت حقيقة لمعظم التأريخ الإنساني- هيمنت عليها تجارة البشر، حيث كان الرجال والنساء والأطفال يخضعون للرقّ ويعانون الإهانات وسوء المعاملة حتى الموت.
إن أي شخص يلمّ بتأريخ الدولتيْن الإغريقية والرومانية القديمة يعرف أن الرقّ كان مقبولاً تماماً فيهما، لا بل إنه كان ظرفاً أساسياً من ظروف الحياة فيهما، علماً بأن العالم أو الإنسانية كان يسير على هذا النهج. واستمرّ هذا الحال في القرون الوسطى ثم امتدّ حتى إلى العصر الحديث، ناهيك عن الفترة الحالية. أما شعب إسرائيل فكانت حالته استثنائية منذ القِدَم لأن أجدادنا كانوا قد رفعوا لواء الحرية في عهد لم يعترض فيه كائن من كان على تجارة الرقيق. ويشار إلى أن أجدادنا لم يرفعوا راية الحرية بالنسبة لشعبنا فحسب وإنما وضعوا مفهوماً جديداً يقضي بعدم ديمومة الرق مما شكل في حينه ثورة كبرى.
وكان أحد الرؤساء الأميركيين الأفذاذ- أبراهام لينكولن- قد حارب قبل 150 عاماً ظاهرة الرق في بلاده وعمل على التوعية بقيم العدالة والمساواة والحرية. لربما لا يفاجئنا الأمر إلا أنه جرى وصف لينكولن في حينه بأنه "موسى الثاني"، باعتباره يشبه النبي موسى الذي قاد شعب العباد [لقب معروف لبني إسرائيل الذين كانوا عباداً في أرض مصر الفرعونية ثم أخرجهم منها موسى كليم الله] إلى أرض الميعاد، وعليه كنا نحن الذين أحدثنا أصلاً تلك الثورة قبل آلاف السنين. وجاء في التوراة بصريح العبارة: "وتنادُونَ بِتحريرِ أهلِ الأرضِ كُلِّها" [سفر اللاويين، الفصل 25، الآية 10]. ويبدو لي أنني كنت قد لاحظتُ هذه المقولة في إحدى المؤسسات الرئيسية للولايات المتحدة، حيث تم الاقتباس من قصة موسى وهذه الكلمات تحديداً لتهدي طريق الولايات المتحدة.
ويتعين على إسرائيل، نظراً لتراثنا الخصوصي، أن تقف في صدارة الكفاح ضد الرق العصري الذي نعتبره ظاهرة غير إنسانية وغير يهودية وغير ديمقراطية. غير أن هناك جانباً آخر للموضوع يرتبط بكوننا شعاعاً من الضوء في المنطقة التي نعيش فيها وهي فضاء ضخم تشهد أجزاء كبيرة منه الظلام الأخلاقي.
وعندما بدأت أحداث "الربيع العربي" قبل 4 سنوات اختلجت في قلوب الكثيرين- وأيضاً في قلوبنا- الآمال في وضع حد لأعمال سفك الدماء وانتهاكات حقوق الإنسان في منطقتنا. ويؤسفنا القول إن الأمور لم تذهب إلا من السوء إلى الأسوأ. وأخذت ظاهرة قمع العاجزين في الشرق الأوسط تتسع. وعندما تتفكك الدول وتنهار تحت وطأة التطرف الإسلامي، ذلك التشدد الفظيع، فإن أول من يدفع الثمن هم الأشخاص العاديون. وفي الوقت الذي ينزف فيه الرجال في سوريا دماً في الحرب الأهلية الدائرة فيها فإن النساء والفتيات والصبايا يذهبن ضحايا التنكيل المتواصل. وأعتقد بأنهنّ ما زلنا يبحثنا عن الريع العربي الموعود.
أما المناطق التي سيطر عليها داعش فإن مصيرها أشدّ كرباً. أرجو أن أورد لكم مثالاً على ذلك بالنساء الأيزيديات اللواتي يتعرضن للاختطاف والاحتجاز في ظروف مريعة. أما اليمن فتُجبر فيه الصبايا الصغيرات على التزوج قسراً من الرجال كبار السن. وفي إيران شهدنا قبل عدة أيام لا أكثر كيف تتعرض النساء غير المنقبات للاعتداءات، بينما شهدنا جميعاً كيف قام المتشددون السنة لجماعة بوكو حرام في نيجيريا باختطاف مئات الفتيات.
أما لنقطة الرئيسية فتتمثل بعجز العالم المستنير، رغم نواياه الحسنة، عن إنقاذ هؤلاء، علماً بأن أي حالة يتعالى فيها الصراخ "أعيدوا بناتنا" (bring back our girls)، تقابلها المئات بل الآلاف من حالات احتجاز الأبرياء في غياهب الجبّ وعجزهم عن التخلص منها.
لكن ثمة بالفعل شيء آخر يفعله الكثيرون في العالم، كونهم يكررون إدانة دولة إسرائيل. وعندما نتحرك ضد الممارسات العدوانية لأعدائنا- فإن الذنب يقع علينا؛ وعندما ندافع عن أنفسنا إزاء الاعتداءات القاتلة للإرهابيين الذين يحوّلون الأطفال والنساء إلى دروع بشرية- فلا يزال الذنب يقع علينا. وغني عن القول إن هذه المقاربة يغلبها طابع ازدواجية الأخلاق والنفاق الهائل. غير أنني ما زلت لا أتخلى عن الأمل في أن يأتي يوم- هكذا أتمنى- حيث يتغير هذا المشهد ويتم الحكم على إسرائيل وأعمالها بالنزاهة والاستقامة. أما الوقت الحالي فيجب علينا التمسك بالخير وحماية دولتنا لتكون مستقلة وقوية ويهودية وديمقراطية في آن واحد، علماً بأنه لا توجد أي فجوة بين هذه المسميات.
وقد أشرتُ في بداية كلمتي إلى أننا نحارب بمنتهى القوة وبكافة الوسائل ظاهرة تجارة البشر وبالأخص تجارة النساء. وأتحدث هنا عن سلسلة من الإجراءات المتكاملة التي تشمل فرض القوانين، وسن التشريعات، ومعاقبة الجناة، ودعوة جمهور المواطنين إلى اليقظة والاضطلاع بدور فعال عندما تثور أي شبهة حول انتهاك حقوق الإنسان. ونستمر إلى جانب ذلك في التصدي للهجرة غير الشرعية للمتسللين، علماً بأن هذه الهجرة تقترن بها مظاهر الرق والاستغلال الشنيع للأطفال والنساء والبشر بصفة عامة. إنني على ثقة بأن تكامل الإجراءات المُمَنهجة على الصعيد المؤسساتي وما يقوم به أصحاب بعض الوظائف من عمل رائع يتميز بالإخلاص اللامتناهي (كما تعكس ذلك الصحف الصادرة اليوم)، سوف يؤدي هذا التكامل إلى تقليص دائرة هذه المساوئ المرضية نحو إلغائها كلياً.
أرجو أن تثابروا على رسالتكم ولا تكفّوا عنها. وقد جاء في مصادرنا [التراث اليهودي] إن كل مَن أنقذ نفساً وكأنه أنقذ المعمورة جمعاء. إنكم تنقذون، بفضل حرصكم على أهدافكم، العوالم الكاملة. لكم كل الشرف والتهاني!

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.