لا يصحّ النظر إلى التوتّر بين أنظمة الخليج العربيّة وإيران بمعزل عن الخلافات الإيرانيّة مع الغرب حول برنامجها النوويّ والانقلاب في السياسة الإيرانيّة بعد الثورة عام 1979. فأصبحت هناك عداوة واضحة بين أنظمة الخليج العربيّة وإيران بعد الثورة الإسلاميّة، وأصبحت الأنظمة الخليجيّة جبهة لأمريكا وإسرائيل في مواجهة إيران ومشروعها النوويّ واستقلال قرارها السياسيّ، وقبلها مواجهة إرادة الشعوب في الخليج. أخذ التوتّر بعدًا جديدًا بعد زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة أبو موسى المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، حيث شكّلت أوّل زيارة لرئيس إيراني للجزيرة. أضف إلى ذلك قيام إيران بنشر أنظمة دفاع وهجوم عسكريّة على الجزيرة، تلتها مناورات "درع الجزيرة" لدول الخليج في الإمارات تحت مسمّى "جزر الوفاء"، في إشارة واضحة للجزر التي تسيطر عليها إيران، وتحتلّها وفقًا للإماراتيّين. ثمّة خلافات حول أحقيّة الفرس التاريخيّة في الجزر، والجدير بالذكر أنّ السيطرة الفعلية لإيران على الجزر تمّت في ظلّ حكم الشاه عام 1971 بعد انسحاب القوّات البريطانيّة التي كانت تسيطر عليها آنئذ. الملفت للنظر أنّ مطالبة الإمارات بالجزر كانت شبه معدومة إبّان حكم الشاه الذي تمتّع بعلاقة قويّة مع قوى الاستكبار الغربيّة وإسرائيل واتّهم بالعمالة لهم، ولكنّها ظهرت بعد الثورة الإسلاميّة في إيران بعام واحد، إذ لجأت الإمارات للأمم المتحدة لحلّ القضيّة ولكنها قوبلت برفض مجلس الأمن. ومن البلاهة بتر تلك الخطوة عن سياقها الزمنيّ، حيث كانت الرسالة واضحة من أنظمة الخليج العربيّة مفادها رفض الثورة وتأسيس الجمهوريّة على حساب الملكيّة، الخطوة التي شكّلت تهديدًا على الأنظمة الملكيّة في الخليج؛ إذ أظهرت أنّ الإرادة الشعبيّة بإمكانها أن تقضي على الملكيّة الشموليّة. لا يمكن أن نفهم القلق الخليجيّ من إيران في ظلّ وجود أكبر القواعد العسكريّة الأمريكيّة على أراضيها والتي تشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقلالها وأمنها أوّلاً واستقلال وأمن إيران والشرق الأوسط بأسره ثانيًا. كما لا يمكن اعتبار وجود تلك القواعد إلى جانب أكبر الأساطيل البحريّة في العالم بمثابة "شراكة استراتيجيّة" بين أنظمة الخليج وأمريكا، كونها مرتبطة مباشرة بابتزازات سياسيّة لا حصر لها وأخطرها تلك التي تأخذ طابعًا مذهبيًا، ناهيك عن أنّه لا يمكن أن يكون هناك استقلال حقيقيّ لدولة فيها قواعد عسكريّة معادية لكلّ مشروع قوميّ أو إسلاميّ. صحيح أنّ هناك خلافات حول مواقف إيران في المنطقة لا سيما فيما يخصّ العراق وسوريا، وصحيح أنّ تلك الخلافات تصل حدّ القتال. ولكن تلك الخلافات لا تبرّر العداوة مع إيران والوقوف إلى جانب أنظمة يحميها الأمريكان، فالمشتركات بيننا وبين إيران أكبر بكثير من تلك مع الأمريكان، مع الذكر بأنّ الدول الخليجيّة التي تتشدّق الآن بالديمقراطيّة وبحقوق الإنسان كانت شريكة مباشرة في الحرب على العراق، وفيها انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان. ومن السذاجة معاداة دولة حول موقف مع تجاهل الميادين المشتركة الأخرى، ففي إيران تحديدًا خبرات وطاقات ذاتيّة يمكن أن تفيد العالم العربيّ كلّه بفضل الحصار الدولي الذي فَرض عليها أن تعتمد على نفسها، في الوقت الذي فُرض على الدول العربيّة التبعيّة السياسيّة والاقتصاديّة المذلّة. وأكبر الأخطاء وضع كلّ الخلافات السياسيّة في خندق المذهبيّة والطائفيّة المقيتة. تصرّف الأنظمة الخليجيّة يفرض تساؤلات عديدة: أين موقف منظمة التعاون الخليجيّ ودرع الجزيرة من إسرائيل؟ فهل الاحتجاجات والمطالب المحقّة في البحرين أحقّ بالتصدّي لها أم العدوان الصهيونيّ اليوميّ على الفلسطينيّين؟ وهل إيران التي تبعد مئات الكيلومترات عن السعوديّة أخطر عليها من إسرائيل التي لا تبعد عن السعوديّة سوى كيلومترات معدودة وتمتلك أسلحة نوويّة؟ ولماذا إضفاء البُعد الطائفيّ والمذهبيّ على الخلاف السياسيّ ولمصلحة من؟ ولماذا لا تتنافس الأنظمة الخليجيّة مع إيران في دعم الفلسطينيّن وصمودهم في القضيّة التي لا يختلف اثنان عليها؟ فمن أولى يا حكّام الخليج: جزر الوفاء أم قدس الإسراء؟!

لا يصحّ النظر إلى التوتّر بين أنظمة الخليج العربيّة وإيران بمعزل عن الخلافات الإيرانيّة مع الغرب حول برنامجها النوويّ والانقلاب في السياسة الإيرانيّة بعد الثورة عام 1979.
 
فأصبحت هناك عداوة واضحة بين أنظمة الخليج العربيّة وإيران بعد الثورة الإسلاميّة، وأصبحت الأنظمة الخليجيّة جبهة لأمريكا وإسرائيل في مواجهة إيران ومشروعها النوويّ واستقلال قرارها السياسيّ، وقبلها مواجهة إرادة الشعوب في الخليج.
 
أخذ التوتّر بعدًا جديدًا بعد زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة أبو موسى المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، حيث شكّلت أوّل زيارة لرئيس إيراني للجزيرة. أضف إلى ذلك قيام إيران بنشر أنظمة دفاع وهجوم عسكريّة على الجزيرة، تلتها مناورات "درع الجزيرة" لدول الخليج في الإمارات تحت مسمّى "جزر الوفاء"، في إشارة واضحة للجزر التي تسيطر عليها إيران، وتحتلّها وفقًا للإماراتيّين.
 
ثمّة خلافات حول أحقيّة الفرس التاريخيّة في الجزر، والجدير بالذكر أنّ السيطرة الفعلية لإيران على الجزر تمّت في ظلّ حكم الشاه عام 1971 بعد انسحاب القوّات البريطانيّة التي كانت تسيطر عليها آنئذ. الملفت للنظر أنّ مطالبة الإمارات بالجزر كانت شبه معدومة إبّان حكم الشاه الذي تمتّع بعلاقة قويّة مع قوى الاستكبار الغربيّة وإسرائيل واتّهم بالعمالة لهم، ولكنّها ظهرت بعد الثورة الإسلاميّة في إيران بعام واحد، إذ لجأت الإمارات للأمم المتحدة لحلّ القضيّة ولكنها قوبلت برفض مجلس الأمن. ومن البلاهة بتر تلك الخطوة عن سياقها الزمنيّ، حيث كانت الرسالة واضحة من أنظمة الخليج العربيّة مفادها رفض الثورة وتأسيس الجمهوريّة على حساب الملكيّة، الخطوة التي شكّلت تهديدًا على الأنظمة الملكيّة في الخليج؛ إذ أظهرت أنّ الإرادة الشعبيّة بإمكانها أن تقضي على الملكيّة الشموليّة.
 
لا يمكن أن نفهم القلق الخليجيّ من إيران في ظلّ وجود أكبر القواعد العسكريّة الأمريكيّة على أراضيها والتي تشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقلالها وأمنها أوّلاً واستقلال وأمن إيران والشرق الأوسط بأسره ثانيًا. كما لا يمكن اعتبار وجود تلك القواعد إلى جانب أكبر الأساطيل البحريّة في العالم بمثابة "شراكة استراتيجيّة" بين أنظمة الخليج وأمريكا، كونها مرتبطة مباشرة بابتزازات سياسيّة لا حصر لها وأخطرها تلك التي تأخذ طابعًا مذهبيًا، ناهيك عن أنّه لا يمكن أن يكون هناك استقلال حقيقيّ لدولة فيها قواعد عسكريّة معادية لكلّ مشروع قوميّ أو إسلاميّ.
 
صحيح أنّ هناك خلافات حول مواقف إيران في المنطقة لا سيما فيما يخصّ العراق وسوريا، وصحيح أنّ تلك الخلافات تصل حدّ القتال. ولكن تلك الخلافات لا تبرّر العداوة مع إيران والوقوف إلى جانب أنظمة يحميها الأمريكان، فالمشتركات بيننا وبين إيران أكبر بكثير من تلك مع الأمريكان، مع الذكر بأنّ الدول الخليجيّة التي تتشدّق الآن بالديمقراطيّة وبحقوق الإنسان كانت شريكة مباشرة في الحرب على العراق، وفيها انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان. ومن السذاجة معاداة دولة حول موقف مع تجاهل الميادين المشتركة الأخرى، ففي إيران تحديدًا خبرات وطاقات ذاتيّة يمكن أن تفيد العالم العربيّ كلّه بفضل الحصار الدولي الذي فَرض عليها أن تعتمد على نفسها، في الوقت الذي فُرض على الدول العربيّة التبعيّة السياسيّة والاقتصاديّة المذلّة. وأكبر الأخطاء وضع كلّ الخلافات السياسيّة في خندق المذهبيّة والطائفيّة المقيتة.
 
تصرّف الأنظمة الخليجيّة يفرض تساؤلات عديدة:
 
أين موقف منظمة التعاون الخليجيّ ودرع الجزيرة من إسرائيل؟ فهل الاحتجاجات والمطالب المحقّة في البحرين أحقّ بالتصدّي لها أم العدوان الصهيونيّ اليوميّ على الفلسطينيّين؟ وهل إيران التي تبعد مئات الكيلومترات عن السعوديّة أخطر عليها من إسرائيل التي لا تبعد عن السعوديّة سوى كيلومترات معدودة وتمتلك أسلحة نوويّة؟ ولماذا إضفاء البُعد الطائفيّ والمذهبيّ على الخلاف السياسيّ ولمصلحة من؟ ولماذا لا تتنافس الأنظمة الخليجيّة مع إيران في دعم الفلسطينيّن وصمودهم في القضيّة التي لا يختلف اثنان عليها؟ فمن أولى يا حكّام الخليج: جزر الوفاء أم قدس الإسراء؟!

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.