ما هي المزايا التي ينبغي ان يتحلّى بها رئيسُ السلطةِ المحليةِ في مُجتمعنا العربي؟ هل هي الثقافةُ والكفاءات؟ ام التجربة الحياتية؟ أم العلاقات الاجتماعية؟ ام الروح الوطنية؟ ام التقوى والورع الديني؟ أم القدرة على تجنيد الأموال؟ أم الانتساب لأكبر عائلة؟ هل القضية أصلاً متعلّقة بـ "المزايا والكفاءات" أم هي اعقد بكثير؟ القدرات الذاتية هي التي تدفع الشعوب الى التحرر من قيودها وتجعلها سيده لمصيرها ومسؤولة عن اختياراتها. لن ننتخب قادة جديرين إلا اذا كنا بأنفسنا مواطنين جديرين، ورونق العقد يأتي من رونق حباته. "المزايا" او "المؤهلات" التي ينبغي ان يحملها المرشّح لرئاسة السلطة المحلية شغلت بال الكثير من الباحثين في موضوع الحكم المحلي وقد تطرّق الى هذا الموضوع ايضا الصحفيون والمحللون السياسيون والناشطون الميدانيون وحتى المواطنون العاديون، حيث تضاربت الآراء فيما بينهم. فبعضهم يعتقد ان من ينوي تبوأ هذا المنصب الهام، والذي يؤثّر على حياة كل واحد منا، يجب ان يكون انسانا متعلما او اكاديميا او مثقفا إذا صحّ الفصل بينهم، لأن هذه الوظيفة تتطلب قسطا عاليا من المعرفة والثقافة، فرئيس السلطة المحلية يتعامل مع دوائر حكومية ومؤسسات رسمية ويُجالس خبراء ومختصين ومستشارين، ولا يصحّ ان يكون انسانا جاهلا لا دراية له بقراءة الميزانيات وتحليل التقارير وفك الخرائط. هنالك من يدعي بأن رئيس السلطة المحلية يجب ان يكون انسانا مجرّبا محنكاً ذا حكمة حياتية يشعر بهموم الناس ومتطلباتها، وهنالك من يقول انه الانسان "الشعبي" الذي يعي أصول التعامل بين البشر والذي يشارك الناس أفراحها واتراحها والذي يترك كل مشاغله لمعاودة المرضى من اهل بلده في المستشفيات. هنالك من يقول ايضا على رئيس السلطة المحلية ان يكون اولاً ناجحا في عمله وبيته، فإذا كانت مصلحته "كسدانة" وبيته "مهدوما" فكيف يمكنه ادارة امور السلطة المحلية بشكل سليم. هنالك من يدعي ان الرئيس يجب ان يكون ذا ريع جماهيري سابق حيث قام بخدمة الجمهور من خلال وظيفة مدير جمعية او مؤسسة وله فضل كبير على الناس. البعض يقول أن على الرئيس ان يتبع للحزب الحاكم في الدولة ليغدق عليه مساعدات وهبات وآخرون يؤكدون بأن على الرئيس ان يكون قادرا على الدوران على الوزارات الحكومية والصناديق المحلية والعالمية ويجنّد الاموال لاقامة مشاريع في بلده. هنالك ايضا من هو متأكد ان الانسان الأفضل للقيام بمثل هذه المهمة هو رجل الدين الذي يخاف ربه ويقوم بكل واجباته وفرائضه الدينية ويتبرع للفقراء والمحتاجين. وهنالك ايضا من هو مستعد ان يناقشك حتى الصباح بأن رئيس السلطة المحلية يجب أن يكون اولا انسانا وطنيا محبا لشعبه ومشاركا فعالا في الصراع ضد الحكومة ويجرؤ على الصدام مع الشرطة للدفاع عن حقوق اهل بلده. طبعا، كل تلك المزايا والتجارب ستتقزّم أمام ان يكون المرشح للرئاسة ابنا للحمولة الكبرى في البلد. باستطاعتنا ان نذكر نماذج أخرى غير تلك التي وصفناها لكن ذلك لن يزيدنا إلا حيرة وتلبكاً في الحسم بين تلك النماذج. قد يتساءل البعض "وما الحاجة الى الحسم بينها؟" فكل تلك "المزايا" مطلوبة. هذا يعني أن المرشح لهذا المنصب يجب أن يكون "متعلما" و "مهنيا" و "شعبيا" و "ناجحا في عمله" و "صاحب تجربة جماهيرية" و "متدينا ورعاً" و "شخصية وطنية" و "مجنّد الأموال" و "ابن الحمولة الكبرى". هذه الصفات لو تجمّعت في رجل واحد لصار مرشحنا "الهاً" او على الأقل "ملاكاً" وفي أسوأ الحالات "سوبرمان". هل تتواجد شخصية من هذا القبيل؟ وهل القضية أصلا قضية "خصائل" أم انها أعقد من ذلك بكثير. لو نظرنا الى الوراء وحاولنا مراجعة "بروفيل" رئيس السلطة المحلية العربية منذ قيام دولتنا "العتية" وحتى اليوم لوجدنا انه قد مرّ علينا كل انواع الرؤساء- ابن العائلة الكبرى، وسكرتير الحزب، ورجل الدين الورع، ورجل الاعمال الناجح، والانسان الشعبي المتواضع، والمهندس البارع والمدير المتقاعد وحتى السياسي الانتهازي ولم نشهد اختلافا كبيرا بينهم من ناحية الانجازات على ارض الواقع اللهم إلا بأمور سطحية او قضايا وطنية وأخلاقية هنا وهناك. لم نشهد منهم نجاحا يُشار اليه بالبنان وتنحني أمامه الهامات، فأغلبية سلطاتنا المحلية العربية قابعة في ديون وعجوزات وخاضعة لخطة اشفاء وضرورة استخدام محاسب مرافق، وهناك سلطات معينه واخرى مهددة بالحل. شوارعنا ضيقة وحاراتنا مكتظة والعنف مستشرِ في أغلب بلداتنا ولا امكانية لأزواجنا الشابة على شراء شقق سكنية او الحصول على ارض لبناء بيت. الضجة والغبار والفوضى العارمة تسود في اغلبية قرانا ومدننا، والحيّز العام مُهان ومستباح. أين هؤلاء الرؤساء الناجون لينقذونا من أزماتنا ومآسينا؟ أم ترانا اعتدنا على الخنوع وتقبل الواقع، ويكفينا فخرا اننا قادرون على دفع المعاشات للموظفين؟ المجتمع العربي في اسرائيل يعيش واقعا صعبا ومعقدا، واعتقد ان انجازاته غير متعلقة بمواصفات رئيس السلطة المحلية ولا بنواياه الطيبة. حكومات اسرائيل تتعامل مع العرب كأيتام على موائد اللئام. السياسيات العنصرية التي تنتهجها ضدنا المؤسسة الاسرائيلية تحرمنا من الارض ومن الميزانيات والأنكى من كل ذلك تصادر فرص تطوير قدراتنا لنقوم ببناء الانسان العربي الجدير. القدرات الذاتية المتدنية هي المسؤولة عن شقائنا وعن اختياراتنا البائسة وعن لجوئنا الى المرواغة والتملص والنفاق وتفضيل ابن العائلة على "الغريب" وعلى تعصبنا العنصري عن لجوئنا الى السلطة المحلية لتستخدم ذوينا. القدرات الذاتية المتدنية هي المسؤولة عن اعتلاء قادة غير جديرين بمرتبة رئيس السلطة المحلية. القدرات الذاتية هي التي تدفع الشعوب الى التحرر من قيودها وتجعلها سيده لأنفسها ولمصيرها ومسؤولة عن اختيار قياداتها، وفي هذا المضمار، ما زالت الطريق أمامنا طويلة. السؤال الاول- كيف نطوّر تلك القدرات الذاتية العلمية منها والمهنية والاقتصادية والثقافية القادرة على جعلنا نتنافس في سوق العمل بشرف دون اللجوء الى السلطة المحلية، وتحوّلنا الى مواطنين صالحين نؤدي واجباتنا ونطالب بحقوقنا ونعتمد النزاهة والموضوعية والشفافية في قراراتنا، ونناقش ونتقبل النقد ونصلح ما عطب؟ والسؤال الثاني من المسؤول عن تطوير قدراتنا؟ الإجابة على ذلك هي نحن بأنفسنا، والرحلة تبدأ من البيت- في التربية السليمة المستندة على القيم والمبادئ الانسانية السامية- تقبل الآخر والالتزام بالمسؤولية، والتسامح والعطاء والعدل والمساواة والحرية. هذه الرحلة طويلة لكنها توصل حتما الى الهدف. لن ننتخب قادة جديرين إلا اذا كنا بأنفسنا مواطنين جديرين، ورونق العقد يأتي من رونق حباته.

الرئيس "المرتقب"
 
 
 
د. رفيق حــــــــاج
 
ما هي المزايا التي ينبغي ان يتحلّى بها رئيسُ السلطةِ المحليةِ في مُجتمعنا العربي؟ هل هي الثقافةُ والكفاءات؟ ام التجربة الحياتية؟ أم العلاقات الاجتماعية؟ ام الروح الوطنية؟ ام التقوى والورع الديني؟ أم القدرة على تجنيد الأموال؟ أم الانتساب لأكبر عائلة؟ هل القضية أصلاً متعلّقة بـ "المزايا والكفاءات" أم هي اعقد بكثير؟ القدرات الذاتية هي التي تدفع الشعوب الى التحرر من قيودها وتجعلها سيده لمصيرها ومسؤولة عن اختياراتها. لن ننتخب قادة جديرين إلا اذا كنا بأنفسنا مواطنين جديرين، ورونق العقد يأتي من رونق حباته.
 
"المزايا" او "المؤهلات" التي ينبغي ان يحملها المرشّح لرئاسة السلطة المحلية شغلت بال الكثير من الباحثين في موضوع الحكم المحلي وقد تطرّق الى هذا الموضوع ايضا الصحفيون والمحللون السياسيون والناشطون الميدانيون وحتى المواطنون العاديون، حيث تضاربت الآراء فيما بينهم. فبعضهم يعتقد ان من ينوي تبوأ هذا المنصب الهام، والذي يؤثّر على حياة كل واحد منا،  يجب ان يكون انسانا متعلما او اكاديميا او مثقفا إذا صحّ الفصل بينهم، لأن هذه الوظيفة تتطلب قسطا عاليا من المعرفة والثقافة، فرئيس السلطة المحلية يتعامل مع دوائر حكومية ومؤسسات رسمية ويُجالس خبراء ومختصين ومستشارين، ولا يصحّ ان يكون انسانا جاهلا لا دراية له بقراءة الميزانيات وتحليل التقارير وفك الخرائط. هنالك من يدعي بأن رئيس السلطة المحلية يجب ان يكون انسانا مجرّبا محنكاً ذا حكمة حياتية يشعر بهموم الناس ومتطلباتها، وهنالك من يقول انه الانسان "الشعبي" الذي يعي أصول التعامل بين البشر والذي يشارك الناس أفراحها واتراحها والذي يترك كل مشاغله لمعاودة المرضى من اهل بلده في المستشفيات. هنالك من يقول ايضا على رئيس السلطة المحلية ان يكون اولاً ناجحا في عمله وبيته، فإذا كانت مصلحته "كسدانة" وبيته "مهدوما" فكيف يمكنه ادارة امور السلطة المحلية بشكل سليم. هنالك من يدعي ان الرئيس يجب ان يكون ذا ريع جماهيري سابق حيث قام بخدمة الجمهور من خلال وظيفة مدير جمعية او مؤسسة وله فضل كبير على الناس. البعض يقول أن على الرئيس ان يتبع للحزب الحاكم في الدولة ليغدق عليه مساعدات وهبات وآخرون يؤكدون بأن على الرئيس ان يكون قادرا على الدوران على الوزارات الحكومية والصناديق المحلية والعالمية ويجنّد الاموال لاقامة مشاريع في بلده. هنالك ايضا من هو متأكد ان الانسان الأفضل للقيام بمثل هذه المهمة هو رجل الدين الذي يخاف ربه ويقوم بكل واجباته وفرائضه الدينية ويتبرع للفقراء والمحتاجين. وهنالك ايضا من هو مستعد ان يناقشك حتى الصباح بأن رئيس السلطة المحلية يجب أن يكون اولا انسانا وطنيا محبا لشعبه ومشاركا فعالا في الصراع ضد الحكومة ويجرؤ على الصدام  مع الشرطة للدفاع عن حقوق اهل بلده. طبعا، كل تلك المزايا والتجارب ستتقزّم أمام ان يكون المرشح للرئاسة ابنا للحمولة الكبرى في البلد.
 
باستطاعتنا ان نذكر نماذج أخرى غير تلك التي وصفناها لكن ذلك لن يزيدنا إلا حيرة وتلبكاً في الحسم بين تلك النماذج. قد يتساءل البعض "وما الحاجة الى الحسم بينها؟" فكل تلك "المزايا" مطلوبة. هذا يعني أن المرشح لهذا المنصب يجب أن يكون "متعلما" و "مهنيا" و "شعبيا" و "ناجحا في عمله" و "صاحب تجربة جماهيرية" و "متدينا ورعاً" و "شخصية وطنية" و "مجنّد الأموال" و "ابن الحمولة الكبرى". هذه الصفات لو تجمّعت في رجل واحد لصار مرشحنا "الهاً" او على الأقل "ملاكاً" وفي أسوأ الحالات "سوبرمان". هل تتواجد شخصية من هذا القبيل؟ وهل القضية أصلا قضية "خصائل" أم انها أعقد من ذلك بكثير. لو نظرنا الى الوراء وحاولنا مراجعة "بروفيل" رئيس السلطة المحلية العربية منذ قيام دولتنا "العتية" وحتى اليوم لوجدنا انه قد مرّ علينا كل انواع الرؤساء- ابن العائلة الكبرى، وسكرتير الحزب، ورجل الدين الورع، ورجل الاعمال الناجح، والانسان الشعبي المتواضع، والمهندس البارع والمدير المتقاعد وحتى السياسي الانتهازي ولم نشهد اختلافا كبيرا بينهم من ناحية الانجازات على ارض الواقع اللهم إلا بأمور سطحية او قضايا وطنية وأخلاقية هنا وهناك. لم نشهد منهم نجاحا يُشار اليه بالبنان وتنحني أمامه الهامات، فأغلبية سلطاتنا المحلية العربية قابعة في ديون وعجوزات وخاضعة لخطة اشفاء وضرورة استخدام محاسب مرافق، وهناك سلطات معينه واخرى مهددة بالحل. شوارعنا ضيقة وحاراتنا مكتظة والعنف مستشرِ في أغلب بلداتنا ولا امكانية لأزواجنا الشابة على شراء شقق سكنية او الحصول على ارض لبناء بيت. الضجة والغبار والفوضى العارمة تسود في اغلبية قرانا ومدننا، والحيّز العام مُهان ومستباح. أين هؤلاء الرؤساء الناجون لينقذونا من أزماتنا ومآسينا؟ أم ترانا اعتدنا على الخنوع وتقبل الواقع، ويكفينا فخرا اننا قادرون على دفع المعاشات للموظفين؟
 
المجتمع العربي في اسرائيل يعيش واقعا صعبا ومعقدا، واعتقد ان انجازاته غير متعلقة بمواصفات رئيس السلطة المحلية ولا بنواياه الطيبة. حكومات اسرائيل تتعامل مع العرب كأيتام على موائد اللئام. السياسيات العنصرية التي تنتهجها ضدنا المؤسسة الاسرائيلية تحرمنا من الارض ومن الميزانيات والأنكى من كل ذلك تصادر فرص تطوير قدراتنا لنقوم ببناء الانسان العربي الجدير. القدرات الذاتية المتدنية هي المسؤولة عن شقائنا وعن اختياراتنا البائسة وعن لجوئنا الى المرواغة والتملص والنفاق وتفضيل ابن العائلة على "الغريب" وعلى تعصبنا العنصري عن لجوئنا الى السلطة المحلية لتستخدم ذوينا. القدرات الذاتية المتدنية هي المسؤولة عن اعتلاء قادة غير جديرين بمرتبة رئيس السلطة المحلية.
 
القدرات الذاتية هي التي تدفع الشعوب الى التحرر من قيودها وتجعلها سيده لأنفسها ولمصيرها ومسؤولة عن اختيار قياداتها، وفي هذا المضمار، ما زالت الطريق أمامنا طويلة. السؤال الاول- كيف نطوّر تلك القدرات الذاتية العلمية منها والمهنية والاقتصادية والثقافية القادرة على جعلنا نتنافس في سوق العمل بشرف دون اللجوء الى السلطة المحلية، وتحوّلنا الى مواطنين صالحين نؤدي واجباتنا ونطالب بحقوقنا ونعتمد النزاهة والموضوعية والشفافية في قراراتنا، ونناقش ونتقبل النقد ونصلح ما عطب؟ والسؤال الثاني من المسؤول عن تطوير قدراتنا؟  الإجابة على ذلك هي نحن بأنفسنا، والرحلة تبدأ من البيت- في التربية السليمة المستندة على القيم والمبادئ الانسانية السامية- تقبل الآخر والالتزام بالمسؤولية، والتسامح والعطاء والعدل والمساواة والحرية. هذه الرحلة طويلة لكنها توصل حتما الى الهدف. لن ننتخب قادة جديرين إلا اذا كنا بأنفسنا مواطنين جديرين، ورونق العقد يأتي من رونق حباته.
 
 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.