لقد نما التيار الإخواني نتيجة تضافر عاملين: انهيار الخطاب الوطني، الذي اعقب اتفاقية كامب دايفيد، بحيث صارت سيناء ‘المحررة’ ارضا شبه محرمة على الجيش المصري، وتم بعد ذلك اخراج مصر من المعادلة الاقليمية، ما افقد الأمن القومي العربي ركيزته، ونزع عن الحكم الاستبدادي آخر ورقة توت يستر بها شرعيته. وانهيار الدولة الراعية عبر نمو وحشي للرأسمالية الريعية والعقارية المرتبطة بجهاز الدولة، بحيث انهار التعليم العام، وانهارت الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة.

 

 

لقد نما التيار الإخواني نتيجة تضافر عاملين:

انهيار الخطاب الوطني، الذي اعقب اتفاقية كامب دايفيد، بحيث صارت سيناء ‘المحررة’ ارضا 

شبه محرمة على الجيش المصري، وتم بعد ذلك اخراج مصر من المعادلة الاقليمية، ما افقد

 الأمن القومي العربي ركيزته، ونزع عن الحكم الاستبدادي آخر ورقة توت يستر بها شرعيته.

وانهيار الدولة الراعية عبر نمو وحشي للرأسمالية الريعية والعقارية المرتبطة بجهاز الدولة،

 بحيث انهار التعليم العام، وانهارت الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة.

 

 

 

الدخان في رابعة العدوية لكن النار في سيناء، هذه هي المسألة التي يتجاهلها الجميع نظرا لتعقيداتها. المجلس العسكري الذي تسلّم الحكم بعد سقوط مبارك، رسب في امتحان كامب دايفيد، اي في امتحان استعادة السيادة المصرية على سيناء. اما الإخوان فلم يكتفوا بتجاهل سؤال سيناء، بل ان رئيس مصر الإخواني بذل كل الجهود الممكنة من اجل تطمين الاسرائيليين والامريكان عبر تكريس قدسية كامب دايفيد وضرورة عدم المسّ به.

يُقال ان الاصرار على هذه القدسية هو دليل حكمة، فمصر الغارقة في ازماتها الاقتصادية لا تستطيع اليوم مواجهة اسرائيل عسكرياً، ثم ان الزمن تحوّل، ولم يعد هناك من مكان للخطاب ‘القومجي’ الذي قاد العرب الى الهاوية.

لاحظوا معي ان اضافة حرف الجيم الى كلمة قومي، هدفها تحقير الكلمة، عبر جيم العثمانية التي يقصد بها النسبة الى المهنة، لذلك لا نزال نستخدم في عامياتنا المشرقية هذه الجيم المهنية كأن نقول بوياجي ومكوجي وكندرجي وتمرجي الى آخره…

الطريف ان المطالبة بالسيادة الوطنية المسلوبة في سيناء صارت خطابا ‘ قومجيا’ يجب التخلي عنه، في عرف بعض الأقلام ‘الليبرالية’ العربية، التي ترى في المسألة الفلسطينية برمتها مسألة ‘قومجية’ يجب التخلي عنها لمصلحة التنمية على طريقة البنك الدولي، اي عبر المزيد من افقار المصريين!

الدخان في رابعة لكن النار في سيناء. الحكم الانتقالي المصري، المؤلف من تحالف واسع بين الدولة المصرية العميقة (الجيش والقضاء والأزهر) وبين شرائح اجتماعية واسعة تضم اطيافا سياسية متنوعة: الليبراليين واليساريين والناصريين… من دون ان ننسى طبعا محاولة الفلول التسلل الى هذا التحالف، مطالب بالنظر في هذه المسألة ورسم طريق حلها، كي تنتصر ثورته الإنقلابية ضد حكم الإخوان.

هناك ثلاثة مسائل كبرى تواجه هذا التحالف: الديموقراطية، العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية. ان تجاهل احدى هذه المسائل لن يقود الى الاستبداد فقط، بل سيقود ايضا الى تهاوي سلطة هذا التحالف، عبر اغراق مصر في الفوضى والاستباحة.

نعود الى البداية، والبداية هي ذلك الانفجار الشعبي الهائل الذي صنع ثورة 25 يناير. ومنذ لحظة الانفجار تجري محاولة لفلفته من اجل ضبط مفاعيله وحصرها باصلاحات شكلية لا تمس جوهر النظام المصري. من المجلس العسكري الى انتخابات الاخوان، صبت كل المحاولات التي رعتها الولايات المتحدة على مسألة واحدة اسمها المحافظة على الاستقرار في مصر، اي المحافظة على اللادور المصري باعتباره احتياطيا امريكيا في خدمة اسرائيل.

وتم تدبيج المقالات التي تمجد سلمية الثورة المصرية و’حضاريتها’، حيث لم تسفك سوى القليل من الدماء. انتصرت الثورة على نفسها، عبر التناوب على تسلم مقاليدها بين المجلس العسكري والاخوان، وبقيت مصر واقفة على اعتاب البنك الدولي، ومستسلمة لقدرها الذي اسمه كامب دايفيد.

معادلة الجيش- الاخوان انهارت في 30 حزيران/ يونيو، وبدا ان الصراع يتمحور بين طرفيها: الاخوان من جهة والجيش من جهة أخرى. من هنا جاء التدخل الامريكي والاوروبي الكثيف بهدف رأب صدع صار عصيا على اية تسوية، ومن اجل انقاذ المشروع الاخواني من التداعي.

واذا كان الاخوان قد عزلوا انفسهم في السلطة ثم انعزلوا في رابعة والنهضة، فإن الجيش نجح في ان يصبح جزءا من تحالف عريض يستطيع ان يدّعي انه يمثل الأغلبية في المجتمع المصري.

هذه الصورة صحيحة لكنها ليست دقيقة، فعلى الرغم من الشعبية ‘الناصرية’ التي بات يتمتع بها قائد الجيش الجنرال السيسي، فإن المسألة اكثر تعقيدا. فالناصرية لا تختزل بديكتاتورية الجيش وسحق الإخوان. الناصرية كانت مشروعا وطنيا بدأ بالجلاء وتبلور في تأميم القناة.

الزمن لن يعود الى الوراء، والجيش يعرف انه بعد ثورة يناير لم تعد الديكتاتورية ممكنة بسهولة، ومسألة تقويض سلطة الاخوان وسلطنتهم، لا يمكن ان تتم بالعنف فقط، اذ قد يكون اغراق مصر بالدم هو الملجأ الاخواني الأخير من اجل تحطيم شرعية الثورة الانقلابية التي قادت الى عزل محمد مرسي.

لقد نما التيار الإخواني نتيجة تضافر عاملين:

انهيار الخطاب الوطني، الذي اعقب اتفاقية كامب دايفيد، بحيث صارت سيناء ‘المحررة’ ارضا شبه محرمة على الجيش المصري، وتم بعد ذلك اخراج مصر من المعادلة الاقليمية، ما افقد الأمن القومي العربي ركيزته، ونزع عن الحكم الاستبدادي آخر ورقة توت يستر بها شرعيته.

وانهيار الدولة الراعية عبر نمو وحشي للرأسمالية الريعية والعقارية المرتبطة بجهاز الدولة، بحيث انهار التعليم العام، وانهارت الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة.

ضد استبداد شامل يرعى الافقار والمهانة الوطنية قامت ثورة 25 يناير، جالبة معها قيما جديدة ابرزها الديموقراطية، اي نزع هالة القدسية عن السلطة واخضاعها للمحاسبة.

بهذا المعنى تستطيع الثورة الانقلابية في 30 يونيو ان تكسب شرعيتها الحقيقية عبر سياسة جديدة تقطع مع الزمن المباركي- السادتي، ولا تستعيد من الناصرية سوى خطابها الوطني والاجتماعي.

لا يستطيع الحكم الجديد في مصر ان يتجاهل سيناء، وضرورة فتح ملف كامب دايفيد، من ضمن ضرورة اعادة نظر جذرية في العلاقات المصرية الامريكية.

قد يقال ان فتح هذه الملفات اليوم هو استعجال تنقصه الحكمة!

لكن من قال ان حكمة الثورة تشبه حكمة الخمول والاستسلام؟ 

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.