ان مطلبَ المساواةِ الذي يتصدّرُ برامجَ الأحزابِ والأطرَ الناشطةَ في المجتمع العربي في اسرائيل اصبح شعاراً أجوفاً, وإمكانيات تحقيقهِ كإمكانيةِ استرجاع الاندلس من الاسبان. لقد وصل النضال من اجل مساواة المواطنين العرب باليهود الى "حالة إفلاس". الاستمرار بهذا النوع من "النضال" يسيء لبلورة شخصية الانسان العربي الذي نتوقّع منه ان يأخذ مسؤولية أكبر على مصيره. لن نربط مستقبلنا ومستقبل أبنائنا بسياسة الحكومة وبما تمنّه علينا من "مساعدات". ليتنا نصبّ جُلّ اهتمامنا بما لدينا وليس بما ينقصنا! لا شك ان موضوع المساواة يشغل بال اغلبية الفاعلين في المجتمع العربي على الساحة السياسية والاجتماعية داخل دولة اسرائيل, ولا شك ايضا انه مطلب شرعي وانساني من الدرجة الاولى. لهذا السبب نجد أن مطلب المساواة يظهر كأول بند في برامج الأحزاب السياسية ويتصدر الكثير من المقالات والأبحاث بل هنالك جمعيات مختصة في موضوع المساواة التي تصدر البيانات والتقارير وتوثق الفجوات القائمة بين العرب واليهود بشتى المواضيع بشكل منهجي ودؤوب, وتبادر الى تنظيم مؤتمرات صحفية قطرية من أجل فضح سياسة التمييز وإظهار الغبن اللاحق بالمواطنين العرب. طبعا, لا علاقة بين الأهمية التي توليها التنظيمات والأحزاب ووسائل الاعلام لقضية المساواة وبين النتائج على أرض الواقع. لماذا؟ الإجابة على ذلك سهلة جدا, لأن الحقوق, ومن ضمنها الحق بالمساواة, تُؤخذ ولا تُعطى. باعتقادي, المساواة بين المواطنين العرب واليهود لن تأتي عن طريق الحكومة لأننا متواجدون أصلاً خارج الحلبة السياسية. الحكومة غير عابئة بمطالبنا لأننا لا نشكّل أي خطر عليها نظراً "لضآلة" قوّتنا السياسية, ولذا ترانا مع مرور الزمن بدأنا نتعايش مع سياسة التمييز ونتكيّف لواقع استبعادنا وكبتنا وحرماننا كمن لا حول له ولا قوة. ان المطلب الذي تبنّته أحزابنا وجمعياتنا وباقي الأطر الناشطة في مجتمعنا العربي بكل ما يتعلق بمساواة العرب باليهود اصبح شعارا أجوفا مثله مثل المطالبة باسترجاع الاندلس. نحن نخرج من طورنا لإظهار "الهوات" القائمة بين العرب واليهود في مجال الدخل والتحصيل العلمي ومسطح البناء وغيرها أما الحكومة فلا حياة لمن تنادي. من الملاحظ أيضا أنه في السنوات الأخيرة لا انكار من قبل المؤسسات الحكومية بوجود فجوات بين المجتمعين وعلى حدّ قولها الأمر نابع من سياسات مجحفة سابقة تراكمت نتائجها مع مرور السنين ولا مجال لسدّها في هذه "الدورة". نحن بدورنا نتأمل تلك البيانات الفاضحة للفجوات بين اليهود والعرب ونبكي حالنا ونشجب سياسة الحكومة ونتظاهر ضد سياستها ونلقي هذا الملف على ممثلينا في الكنيست او السلطات المحلية, لكن كلنا ندرك بأن هذه مهمة مستحيلة ليس لانعدام الرغبة او المؤهلات او النزعة القومية لديهم وانما لأننا خارج الملعب, وإذا كنا خارج المعلب كيف نحقق الأهداف؟! ان مستوى "السنة اللهب" الذي يتصف به النضال الحالي من أجل المساواة التي تقوده الجماهير العربية "يروق" جدا لدولة اسرائيل, فهو ليس عاليا اكثر من اللزوم ليشكل خطرا على استقرار الدولة أو الى نشوب مظاهرات حامية الوطيس يروح ضحيتها المئات, وليس منخفضا لدرجة يأس قد يؤدي بالعرب الى العزوف عن التعامل مع مؤسسات الدولة ومن ثم الانفصال عنها. ان الحالة "النضالية الوسطية" القائمة التي اختارها العرب هي حالة مثالية بالنسبة لدولة اسرائيل. اسرائيل تريد ان يكون نضالنا شرعيا وفي نطاق الكنيست والقانون والتنظيمات الأهلية فقط, لكن نظرا لقوتنا السياسية المحدودة ونظرا لرفضنا مبدأ الأسرلة فتحقيق الأماني "بالطرق المشروعة" هو أمر مستحيل تقريبا. في نظري, الصيغة الحالية للمسار النضالي لا تصب بمصلحة المجتمع العربي لأنها خلقت نوع من الاتكالية وكأن هنالك من "أخذوا على عاتقهم" مهمة تحقيق المساواة المتمثلون بنوابنا العرب في البرلمان. يا له من وهمٍ كبير؟! ومثله مثل استخدام محامي من أجل المرافعة في قضية ما ومن بعدها لا نراجعه ولا نحاسبه فيضيع الحق وتضيع القضية. هل تحقيق المساواة يتم عن طريق "الفضح" او "الشجب" او الرسوم البيانية التي تقارن بين العرب واليهود؟ حتى لو قامت دولة اسرائيل بمنحنا ملياردات الشواقل هل ستحصل المساواة بين اليهود والعرب؟ المساواة لا تحصل عن طريق الميزانيات المتساوية فحسب وانما عن طريق المساواة بالقدرات, والمسؤول الأكبر عن المساواة بالقدرات هو نحن- قادتنا ورؤساؤنا ومديرونا ومعلمونا, ومن ثم الحكومة. من شدة سخطنا على الحكومة نسينا ان لنا بيت علينا ان نبنيه ونحافظ عليه. ان أقل وصفٍ يُمكن نمنحه لهذه الحالة هو "حالة إفلاس" او "حالة عبثية", وانا شخصيا أعتبر المطالبة بالمساواة على طريقتها الحالية خائبة ومسيئة لبلورة شخصية الانسان العربي الذي ينبغي أن يأخذ مسؤولية أكبر على مصيره وألاّ "يودع" حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه بسياسة الحكومة وبما تمنّه علينا من مساعدات. لكي نحصل على المساواة علينا ان ندرك أولا ماذا يوجد لدينا. لو أخذنا كوبا وسألنا أحدكم ما هي كمية المياه التي يجب أن نسكبها في الكاس ليمتلئ فسيُجيب: علي أولاً أن أعرف ما هي كمية الماء الموجودة في الكأس لكي أعرف كم من الماء أضيف. السؤال الذي يطرح نفسه هل قمنا بواجبنا تجاه انفسنا؟ هل قمنا بمساعدة الآخرين من أبناء جلدتنا؟ هل تطوّعنا من أجل مجتمعنا؟ هل نتعامل فيما بيننا كعائلات وطوائف ومذاهب سياسية بالمساواة؟ هل نحكم بالعدل والانصاف والنزاهة عندما نعتلي دفة الحكم في السلطات المحلية؟ هل اجرينا بحثا شاملا لقدراتنا ومواهبنا وحاولنا تسخيرها من أجل خدمة المجتمع؟ هل أقمنا أطر تُعنى ببناء المجتمع العربي؟ أو ببلورة شخصية الانسان العربي- الديموقراطي؟ المنفتح على العالم؟ المُتقبّل للآخرين؟ المتمسّك بالقيم الانسانية والثوابت القومية؟ ليتنا نبني خطط وبرامج من أجل تطوير قدرات الانسان العربي بعزلة عن القدرات التي يتمتع بها المواطن اليهودي. ليتنا نصبّ جُلّ اهتمامنا بما لدينا وليس بما ينقصنا ولدينا الكثير.

شعار المساواة
 
 
د. رفيق حاج
 
 
 
 
ان مطلبَ المساواةِ الذي يتصدّرُ برامجَ الأحزابِ والأطرَ الناشطةَ في المجتمع العربي في اسرائيل اصبح شعاراً أجوفاً, وإمكانيات تحقيقهِ كإمكانيةِ استرجاع الاندلس من الاسبان. لقد وصل النضال من اجل مساواة المواطنين العرب باليهود الى "حالة إفلاس". الاستمرار بهذا النوع من "النضال" يسيء لبلورة شخصية الانسان العربي الذي نتوقّع منه ان يأخذ مسؤولية أكبر على مصيره. لن نربط مستقبلنا ومستقبل أبنائنا بسياسة الحكومة وبما تمنّه علينا من "مساعدات". ليتنا نصبّ جُلّ اهتمامنا بما لدينا وليس بما ينقصنا!
 
لا شك ان موضوع المساواة يشغل بال اغلبية الفاعلين في المجتمع العربي على الساحة السياسية والاجتماعية داخل دولة اسرائيل, ولا شك ايضا انه مطلب شرعي وانساني من الدرجة الاولى. لهذا السبب نجد أن مطلب المساواة يظهر كأول بند في برامج الأحزاب السياسية ويتصدر الكثير من المقالات والأبحاث بل هنالك جمعيات مختصة في موضوع المساواة التي تصدر البيانات والتقارير وتوثق الفجوات القائمة بين العرب واليهود بشتى المواضيع بشكل منهجي ودؤوب, وتبادر الى تنظيم مؤتمرات صحفية قطرية من أجل فضح سياسة التمييز وإظهار الغبن اللاحق بالمواطنين العرب. طبعا, لا علاقة بين الأهمية التي توليها التنظيمات والأحزاب ووسائل الاعلام لقضية المساواة وبين النتائج على أرض الواقع. لماذا؟ الإجابة على ذلك سهلة جدا, لأن الحقوق, ومن ضمنها الحق بالمساواة, تُؤخذ ولا تُعطى. باعتقادي, المساواة بين المواطنين العرب واليهود لن تأتي عن طريق الحكومة لأننا متواجدون أصلاً خارج الحلبة السياسية. الحكومة غير عابئة بمطالبنا لأننا لا نشكّل أي خطر عليها نظراً "لضآلة" قوّتنا السياسية, ولذا ترانا مع مرور الزمن بدأنا نتعايش مع سياسة التمييز ونتكيّف لواقع استبعادنا وكبتنا وحرماننا كمن لا حول له ولا قوة.
 
ان المطلب الذي تبنّته أحزابنا وجمعياتنا وباقي الأطر الناشطة في مجتمعنا العربي بكل ما يتعلق بمساواة العرب باليهود اصبح شعارا أجوفا مثله مثل المطالبة باسترجاع الاندلس. نحن نخرج من طورنا لإظهار "الهوات" القائمة بين العرب واليهود في مجال الدخل والتحصيل العلمي ومسطح البناء وغيرها أما الحكومة فلا حياة لمن تنادي.
 
من الملاحظ أيضا أنه في السنوات الأخيرة لا انكار من قبل المؤسسات الحكومية بوجود فجوات بين المجتمعين وعلى حدّ قولها الأمر نابع من سياسات مجحفة سابقة تراكمت نتائجها مع مرور السنين ولا مجال لسدّها في هذه "الدورة". نحن بدورنا نتأمل تلك البيانات الفاضحة للفجوات بين اليهود والعرب ونبكي حالنا ونشجب سياسة الحكومة ونتظاهر ضد سياستها ونلقي هذا الملف على ممثلينا في الكنيست او السلطات المحلية, لكن كلنا ندرك بأن هذه مهمة مستحيلة ليس لانعدام الرغبة او المؤهلات او النزعة القومية لديهم وانما لأننا خارج الملعب, وإذا كنا خارج المعلب كيف نحقق الأهداف؟!
 
ان مستوى "السنة اللهب" الذي يتصف به النضال الحالي من أجل المساواة التي تقوده الجماهير العربية  "يروق" جدا لدولة اسرائيل, فهو ليس عاليا اكثر من اللزوم ليشكل خطرا على استقرار الدولة أو الى نشوب مظاهرات حامية الوطيس يروح ضحيتها المئات, وليس منخفضا لدرجة يأس قد يؤدي بالعرب الى العزوف عن التعامل مع مؤسسات الدولة ومن ثم الانفصال عنها.
 
ان الحالة "النضالية الوسطية" القائمة التي اختارها العرب هي حالة مثالية بالنسبة لدولة اسرائيل. اسرائيل تريد ان يكون نضالنا شرعيا وفي نطاق الكنيست والقانون والتنظيمات الأهلية فقط, لكن نظرا لقوتنا السياسية المحدودة  ونظرا لرفضنا مبدأ الأسرلة فتحقيق الأماني "بالطرق المشروعة" هو أمر مستحيل تقريبا. 
 
في نظري, الصيغة الحالية للمسار النضالي لا تصب بمصلحة المجتمع العربي لأنها خلقت نوع من الاتكالية وكأن هنالك من "أخذوا على عاتقهم" مهمة تحقيق المساواة  المتمثلون بنوابنا العرب في البرلمان. يا له من وهمٍ كبير؟! ومثله مثل استخدام محامي من أجل المرافعة في قضية ما ومن بعدها لا نراجعه ولا نحاسبه فيضيع الحق وتضيع القضية.  هل تحقيق المساواة يتم عن طريق "الفضح" او "الشجب" او الرسوم البيانية التي تقارن بين العرب واليهود؟
 
حتى لو قامت دولة اسرائيل بمنحنا ملياردات الشواقل هل ستحصل المساواة بين اليهود والعرب؟  المساواة لا تحصل عن طريق الميزانيات المتساوية فحسب وانما عن طريق المساواة بالقدرات, والمسؤول الأكبر عن المساواة بالقدرات هو نحن- قادتنا ورؤساؤنا ومديرونا ومعلمونا,  ومن ثم الحكومة. من شدة سخطنا على الحكومة نسينا ان لنا بيت علينا ان نبنيه ونحافظ عليه.
 
ان أقل وصفٍ  يُمكن نمنحه لهذه الحالة هو "حالة إفلاس" او "حالة عبثية", وانا شخصيا أعتبر المطالبة بالمساواة على طريقتها الحالية خائبة ومسيئة لبلورة شخصية الانسان العربي الذي ينبغي أن يأخذ مسؤولية أكبر على مصيره وألاّ "يودع" حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه بسياسة الحكومة وبما تمنّه علينا من مساعدات. لكي نحصل على المساواة علينا ان ندرك أولا ماذا يوجد لدينا. لو أخذنا كوبا وسألنا أحدكم ما هي كمية المياه التي يجب أن نسكبها في الكاس ليمتلئ فسيُجيب: علي أولاً أن أعرف ما هي كمية الماء الموجودة في الكأس لكي أعرف كم من الماء أضيف.
 
السؤال الذي يطرح نفسه هل قمنا بواجبنا تجاه انفسنا؟ هل قمنا بمساعدة الآخرين من أبناء جلدتنا؟ هل تطوّعنا من أجل مجتمعنا؟ هل نتعامل فيما بيننا كعائلات وطوائف ومذاهب سياسية بالمساواة؟ هل نحكم بالعدل والانصاف والنزاهة عندما نعتلي دفة الحكم في السلطات المحلية؟ هل اجرينا بحثا شاملا لقدراتنا ومواهبنا وحاولنا تسخيرها من أجل خدمة المجتمع؟ هل أقمنا أطر تُعنى ببناء المجتمع العربي؟ أو ببلورة شخصية الانسان العربي- الديموقراطي؟ المنفتح على العالم؟ المُتقبّل للآخرين؟ المتمسّك بالقيم الانسانية والثوابت القومية؟
 
ليتنا نبني خطط وبرامج من أجل تطوير قدرات الانسان العربي بعزلة عن القدرات التي يتمتع بها المواطن اليهودي. ليتنا نصبّ جُلّ اهتمامنا بما لدينا وليس بما ينقصنا ولدينا الكثير.
 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.