ان تبني الاعتبار الكمي هو عملية سهلة تريحنا من التفكير الجاد والغوص العميق والنظر الى الامور من زوايا اخرى. ان ادخال اعتبارات اخرى في قرارتنا يتطلب مهنية وانفتاح وجهد ومتابعة وعلى ما يبدو أن هذه "الممتلكات" غير متوفرة لدينا وترانا نسارع في تبني الاعتبار الكمي ونضعه كأول معيار واحيانا نتخذه كالمعيار الوحيد. هناك حاجة لفهم أبعاده والأخطار الناجمة عنه هنالك العديد من الامور القابلة للقياس كالذكاء والثقافة والرضا التي نستعملها لتقييم الاشخاص واتخاذ القرارات, هذا بالإضافة الى المجالات المعروفة كتقدير مستوى الدخل ومنسوب المياه ودرجة الحرارة والبعد الجغرافي وغيرها. هذا ونلاحظ في الآونة الأخيرة ان هنالك استعمال مفرط به للقياسات الكمية في كثير من المجالات الحياتية وكأنه قابل للقياس, وهذا ممكن أن يؤدي الى استنتاجات خاطئة ومضلّلة بخصوص الظاهرة او الحالة التي نحن بصددها. خذوا على سبيل المثال قياس مستوى التعليم حسب معدّل الطلاب في امتحانات "البجروت" او حسب نسبة الناجحين فيها. هذا الاعتبار جلب الضرر الجسيم لمدارسنا ولجهازنا التعليمي ولمسار تطوّرنا وحوّل مدارسنا الى ماكنات متينة لصنع العلامات- العلامات وبأي ثمن. كل الطرق مشروعة من أجل رفع مستوى العلامات ومن ضمنها التجاء الطلاب الى الغش والنقل في الامتحانات والى تغاضي المعلمين او المراقبين وقيامهم بعض الاحيان "بمد يد المساعدة" لأقاربهم وذويهم لكي يحصلوا على علامات أفضل. هنالك من المعلمين او المراقبين من يساعدون بنات خالاتهم وابناء اصحابهم وابناء المدينين لهم وهنالك من يعتبرها مهمة "وطنية" من الدرجة الاولى وان قمت بمعاتبته يجيبك على الفور وبدون تردد او حياء "نحن أمة مقهورة ويجب أن نساعد بعضنا البعض" وهنالك طبعا من يساعد الطلاب على الغش بالامتحانات لكي يستّر على تقصيره في التعليم وايصال المقرر الى الطلاب خلال السنوات الاربعة. هنالك الكثير من مدارسنا التي تتحاشى تقديم الطلاب "الضعفاء" الى الامتحانات لكي لا يؤدي ذلك الى هبوط المعدّل العام. إذاً ما الذي فعلناه هنا؟ لقد آثرنا الطلاب الأقوياء المنتمين الى الشرائح الاقتصادية القوية على الطلاب الضعفاء وفضّلنا التحصيلات المتمثلة بالعلامات على الانجازات الثقافية الحقيقية. الاعتبار الكمي جعل نسبة مشاهدي القناة التلفزيونية هو المعيار المقبول والمتبع لقياس مستوى شعبية البرامج ومن ثم الى تحديد موعد وفترة بثها وهذا ادى الى ازدهار البرامج الهابطة المعتمدة على الاثارة ولفت الانظار والعري والكلام الفظ والكلام الفارغ والى تغليب دفة الجريمة والخيانة والغدر التي عادة تثير فضول المشاهدين على حساب البرامج التثقيفية التي تعنى بالقيم والاخلاق والتراث والانتماء او البرامج التي تناقش مواضيع هامة في مجتمعنا كالأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. الاعتبار الكمي ادى الى قيام بعض عارضات الازياء او الفتيات اللواتي يخططن الانخراط في هذا الفرع ان يخسرن من اوزانهن الى درجة رهيبة تدهورت من بعدها صحتهن الجسدية والنفسية ومنهن من تحولن الى اشباح آدمية بعد ان فقدن مستقبلهن وصحتهن وحلمهن. ان تبني المعيار الكمي هو عملية سهلة تريحنا من التفكير والتأمل والفحص والتدقيق والغوص الى الأعماق والنظر الى الامور من زوايا اخرى- هذا الطالب حقق معدلا اعلى من ذاك الطالب لذا سنقبله في مدرستنا وهذه الموظفة اكبر سنا من تلك لذا سنقبلها للعمل لدينا. من قال ان المعدل يدل على القدرات او على مستوى الثقافة وأن الجيل يدل على المهنية والجدية والاخلاص الى مكان العمل؟ إن من جرّب التعامل مع الاكبر كأنه الأفضل خُذل اكثر من مرة لأن هنالك اعتبارات أخرى تتحدث عن الكيف لا الكم, "والكيف" قياسه صعب وهو لا يمتثل للأرقام ولا يتمثّل بالأعداد وانما يعتمد على الانطباع وعلى الإحساس. لا يمكن قياس الجمال ولا الجدية ولا الشرف ولا محبة الوطن ولا الرحمة ولا الانتماء. على ما يبدو ان ادخال اعتبارات اخرى في قرارتنا غير الاعتبار الكمي يتطلب مهنية عالية وانفتاح واستعداد لبذل جهد, وعلى ما يبدو أيضا أن هذه "الممتلكات" و "المواهب" غير متوفرة لدينا معظم الوقت وترانا نسارع في تبني الاعتبار الكمي ونضعه كأول معيار واحيانا نتخذه كالمعيار الوحيد. من السهل علينا ان نثبت ان هذا "اكبر" وهذا "أعلى" وهذا "أطول" ومن الصعب علينا من ان نثبت وأن نبرر للآخرين هذا "احسن" وهذا "انفع" وهذا "أجدر". لقد وصل الباحثون في علم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس وغيره ان البحث الكمي الذي يسفر عن نتائج عددية كالأرقام والنسب المئوية والمعدلات والرسوم البيانية غير كاف لفهم الظاهرة التي ينبغي تقصيها ويجب دعمها ببحث كيفي يعتمد على المقابلات الشخصية والانطباعات والأدبيات العلمية وغيرها, وفي كثير من الاحيان تراهم يستغنون عن التحليلات الكمية ويكتفون بالتحليلات النوعية. هذا بالإضافة الى الاستعمال المغرض الذي يقوم به بعض السياسيين والاعلاميين بقراءة التقارير الكمية لخدمة مصالحهم كمعدل الدخل ونسبة البطالة وعدد الشقق وغيرها. هل نستطيع التخلي عن الاعتبار الكمي؟ بالطبع لا, لكن هناك حاجة لفهم محدودياته وأبعاده والأخطار الناجمة عنه. عندما نعي ماهية الخطر نستطيع ان نتقي الضرر!

 

 

ان تبني الاعتبار الكمي هو عملية سهلة تريحنا من التفكير الجاد والغوص العميق والنظر الى الامور من زوايا اخرى.  ان ادخال اعتبارات اخرى في قرارتنا يتطلب مهنية وانفتاح وجهد ومتابعة وعلى ما يبدو أن هذه "الممتلكات" غير  متوفرة لدينا وترانا نسارع في تبني الاعتبار الكمي ونضعه كأول معيار واحيانا نتخذه كالمعيار الوحيد. هناك حاجة لفهم أبعاده والأخطار الناجمة عنه

 

هنالك العديد من الامور القابلة للقياس كالذكاء والثقافة والرضا التي نستعملها لتقييم الاشخاص واتخاذ القرارات, هذا بالإضافة الى المجالات المعروفة كتقدير مستوى الدخل ومنسوب المياه ودرجة الحرارة والبعد الجغرافي وغيرها. هذا ونلاحظ في الآونة الأخيرة ان هنالك استعمال مفرط به للقياسات الكمية في كثير من المجالات الحياتية وكأنه قابل للقياس, وهذا ممكن أن يؤدي الى استنتاجات خاطئة ومضلّلة بخصوص الظاهرة او الحالة التي نحن بصددها. خذوا على سبيل المثال قياس مستوى التعليم حسب معدّل الطلاب في امتحانات "البجروت" او حسب نسبة الناجحين فيها. هذا الاعتبار جلب الضرر الجسيم لمدارسنا ولجهازنا التعليمي ولمسار تطوّرنا وحوّل مدارسنا الى ماكنات متينة لصنع العلامات- العلامات  وبأي ثمن. كل الطرق مشروعة من أجل رفع مستوى العلامات ومن ضمنها التجاء الطلاب الى الغش والنقل في الامتحانات والى تغاضي المعلمين او المراقبين وقيامهم بعض الاحيان "بمد يد المساعدة" لأقاربهم وذويهم لكي يحصلوا على علامات أفضل. هنالك من المعلمين او المراقبين من يساعدون بنات خالاتهم وابناء اصحابهم وابناء المدينين لهم وهنالك من يعتبرها مهمة "وطنية" من الدرجة الاولى وان قمت بمعاتبته يجيبك على الفور وبدون تردد او حياء "نحن أمة مقهورة ويجب أن نساعد بعضنا البعض" وهنالك طبعا من يساعد الطلاب على الغش بالامتحانات لكي يستّر على تقصيره في التعليم وايصال المقرر الى الطلاب خلال السنوات الاربعة. هنالك الكثير من مدارسنا التي تتحاشى تقديم الطلاب "الضعفاء" الى الامتحانات لكي لا يؤدي ذلك الى هبوط المعدّل العام. إذاً ما الذي فعلناه هنا؟ لقد آثرنا الطلاب الأقوياء المنتمين الى الشرائح الاقتصادية القوية على الطلاب الضعفاء وفضّلنا التحصيلات المتمثلة بالعلامات على الانجازات الثقافية الحقيقية.

 

الاعتبار الكمي جعل نسبة مشاهدي القناة التلفزيونية هو المعيار المقبول والمتبع لقياس مستوى شعبية البرامج ومن ثم الى تحديد موعد وفترة بثها وهذا ادى الى ازدهار البرامج الهابطة المعتمدة على الاثارة ولفت الانظار والعري والكلام الفظ والكلام الفارغ والى تغليب دفة الجريمة والخيانة والغدر التي عادة تثير فضول المشاهدين على حساب البرامج التثقيفية التي تعنى بالقيم والاخلاق والتراث والانتماء او البرامج التي تناقش مواضيع هامة في مجتمعنا كالأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. الاعتبار الكمي ادى الى قيام بعض عارضات الازياء او الفتيات اللواتي يخططن الانخراط في هذا الفرع ان يخسرن من اوزانهن الى درجة رهيبة تدهورت من بعدها صحتهن الجسدية والنفسية  ومنهن من تحولن الى اشباح آدمية بعد ان فقدن مستقبلهن وصحتهن وحلمهن. 

 

ان تبني المعيار الكمي هو عملية سهلة تريحنا من التفكير والتأمل والفحص والتدقيق والغوص الى الأعماق والنظر الى الامور من زوايا اخرى- هذا الطالب حقق معدلا اعلى من ذاك الطالب لذا سنقبله في مدرستنا وهذه  الموظفة اكبر سنا من تلك لذا سنقبلها للعمل لدينا. من قال ان المعدل يدل على القدرات او على مستوى الثقافة وأن الجيل يدل على المهنية والجدية والاخلاص الى مكان العمل؟ إن من جرّب التعامل مع الاكبر كأنه الأفضل خُذل اكثر من مرة لأن هنالك اعتبارات أخرى تتحدث عن الكيف لا الكم, "والكيف" قياسه صعب وهو لا يمتثل للأرقام ولا يتمثّل بالأعداد وانما يعتمد على الانطباع وعلى الإحساس. لا يمكن قياس الجمال ولا الجدية ولا الشرف ولا محبة الوطن ولا الرحمة ولا الانتماء.

 

على ما يبدو ان ادخال اعتبارات اخرى في قرارتنا غير الاعتبار الكمي يتطلب مهنية عالية وانفتاح واستعداد لبذل جهد, وعلى ما يبدو أيضا أن هذه "الممتلكات" و "المواهب" غير  متوفرة لدينا معظم الوقت وترانا نسارع في تبني الاعتبار الكمي ونضعه كأول معيار واحيانا نتخذه كالمعيار الوحيد. من السهل علينا ان نثبت ان هذا "اكبر" وهذا "أعلى" وهذا "أطول" ومن الصعب علينا من ان نثبت وأن نبرر للآخرين هذا "احسن" وهذا "انفع" وهذا "أجدر".

 

لقد وصل الباحثون في علم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس وغيره ان البحث الكمي الذي يسفر عن نتائج عددية كالأرقام والنسب المئوية والمعدلات والرسوم البيانية غير كاف لفهم الظاهرة التي ينبغي تقصيها ويجب دعمها ببحث كيفي يعتمد على المقابلات الشخصية والانطباعات والأدبيات العلمية وغيرها, وفي كثير من الاحيان تراهم يستغنون عن التحليلات الكمية ويكتفون بالتحليلات النوعية. هذا بالإضافة الى الاستعمال المغرض الذي يقوم به بعض السياسيين والاعلاميين بقراءة التقارير الكمية لخدمة مصالحهم كمعدل الدخل ونسبة البطالة وعدد الشقق وغيرها.

 

هل نستطيع التخلي عن الاعتبار الكمي؟ بالطبع لا, لكن هناك حاجة لفهم محدودياته وأبعاده والأخطار الناجمة عنه. عندما نعي ماهية الخطر نستطيع ان نتقي الضرر!

 

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.