رأي

كيف تصير، في هذه الأيام، أديبا مرموقا، وبأقلّ جهد!! بقلم: سليمان جبران

تريد أن تصبح أديبا؟ شاعرا مثلا؟ كاتب قصص ؟ المسألة في غاية البساطة! لا تحتاج إلا إلى قليل من الوقت، وكثير من المال طبعا! ليس من الضروريّ أن تعرف اللغة العربية. ما لك ولوجع الرأس الزائد؟ مهما خربطت ومهما طرفشت يمكنك إعطاء نتاجك إلى أحد الأصدقاء، معلم للعربية في مدرسة ثانوية، مثلا، والمعلم المذكور يصلح لك الأخطاء، مشكورا، أو مشكورا ومأجورا! على كلّ حال، أسهل عليك في الواقع أن تصير شاعرا؛ النصّ أصغر، والجهد أقلّ، والشهرة أوسع وأسرع ! إذا كنت تعرف أوزان الشعر، يكفي الكامل مثلا، فالأمر في غاية البساطة: تكتب في أيّ موضوع؛ القصيدة الوطنية أفضل بطبيعة الحال، وتجعل القصيدة طويلة ما أمكن! لا يبهر القارئ العربي شيء مثل خمسين ستين بيتا من الشعر بقافية واحدة : نهر طويل أبيض، وعلى ضفّتيه كفّتان من الكلام متساويتان مختومتان بحرف واحد! المعنى غير مهمّ، واللغة غير مهمّة. لا أحد، اطمئنّ، سيقرأ القصيدة حتى النهاية. المهمّ المنظر، وهل العالم من حولنا كلّه إلا مناظر ومظاهر؟ إذا لم تعرف الأوزان فلا مدعاة إلى التردّد والإحباط ! الشعر التفعيلي، صدّقني، أرقى وأنقى. كلّ شعر درويش في الفترة الأخيرة كان تفعيليّا! تقول إنك لا عهد لك بالوزن أصلا؟ لا يهمّ، المهمّ أن تكتب النصّ في سطور قصيرة، لا تصل إلى نهايتها بأيّ شكل!! الأفضل أيضا أن تكون قصيدتك طويلة ما استطعت إلى ذلك سبيلا! لا أحد سيقرؤها حتى النهاية طبعا، لكنّ الطول ضروري، ما في ذلك شكّ: هل الفتاة الطويلة الممشوقة مثل فتاة قصيرة طول شبر؟! هذا بالنسبة إلى القصيدة. تكتبها وفق المواصفات أعلاه. لكنّ المشروع لا ينتهي عند هذا الحدّ طبعا. في كلّ ندوة شعرية لا بدّ لك من المشاركة البارزة: تقف أمام الجمهور، وتصرخ بأعلى صوتك. في المواضع الوطنيّة من القصيدة والأعلام التاريخيّة، بشكل خاصّ. طبعا سيرتفع التصفيق إلى عنان السماء. تتوقّف هنيهة، ثمّ تعيد قراءة المقطع ذاته. هكذا يفعل كلّ الشعراء الكبار، صدّقني! بعد المهرجان ترسل القصيدة إلى كلّ الصحف والمواقع الإلكترونية. لا تخف، ينشرونها في أسرع وقت، وبدون قراءتها، في أغلب الأحيان. حتى إذا قرءوها ولم يفهموا منها شيئا، فلا بدّ من نشرها طبعا، باعتبارها من الشعر الحديث الغامض. لا يفهمون قصائد أدونيس، فلماذا يجب على قصائدك أن تكون مفهومة؟! بعد المهرجان الشعري، والنشر الواسع، يُستحسن أن يكتب أحد الأصدقاء، أو تكتب أنت باسم مستعار، مقالة نقديّة في تحليل القصيدة، وكشف المغازي العميقة فيها. كلمة كتبتها عرضا يمكن أن تشكّل فاتحة نقد عميق للقصيدة. لا تنس أنّ النقّاد كثيرون، وبعضهم يمكن أن تحمّله جميلا، لأنك وفرت له هذه الفرصة في الكتابة والنشر ! تذكّر، بالإضافة إلى كل ما تقدّم، أن تكون حاضرا في كلّ لقاء شعري، أو أمسية أدبيّة، حتّى إذا لم تشارك فيها بنتاجك: تسلّم على كلّ من يجيء في طريقك سلاما حارّا، حتى إذا لم تعرفه، ثمّ تجلس في مكان بارز ليراك جميع الحاضرين، وتظهر في كلّ الصور، في وسائل الاتّصال لاحقا. هذا مهمّ بل في غاية الأهميّة. كثيرون لا يقرءون من المقال إلا الصور، صدّقني! طبعا، العمل يحتاج أخيرا إلى المثابرة وإلى كثير من المال أيضا: ملابس جديدة برّاقة، وسيّارة طويلة وبرّاقة أيضا. المسألة مكلّفة كما ترى، وهل بغير المال تُكتسب المعالي؟ لا شيء ببلاش إلا العمى والطراش!! ملاحظة: هكذا تصبح، صديقي، شاعرا مرموقا، يشار إليه بكلّ الأصابع. أمّا إذا رغبت في أن تصير كاتب قصص قصيرة أو كاتب روايات، فالمسألة أصعب قليلا. لكن ما من شيء مستحيل، وٍفي مقالنا القادم، ستجد الوصفة الناجعة، في الوصول إلى هذه القمم الرائعة!! بروفسور سليمان جبران- باحث، ناقد ومحاضر اكاديمي متقاعد jubrans3@gmail.com



كيف تصير، في هذه الأيام، أديبا مرموقا، وبأقلّ جهد!!
 
 
 
 

بقلم: بروفسور سليمان جبران
 
  
       تريد أن تصبح أديبا؟ شاعرا مثلا؟ كاتب قصص ؟ المسألة في غاية البساطة! لا تحتاج إلا إلى قليل من  الوقت، وكثير من المال طبعا!
 
ليس من الضروريّ أن تعرف اللغة العربية. ما لك ولوجع الرأس الزائد؟ مهما  خربطت ومهما طرفشت يمكنك إعطاء نتاجك إلى أحد الأصدقاء، معلم للعربية في مدرسة ثانوية، مثلا، والمعلم المذكور يصلح لك  الأخطاء، مشكورا، أو مشكورا ومأجورا!
 
     على كلّ حال، أسهل عليك في الواقع أن تصير شاعرا؛ النصّ أصغر، والجهد أقلّ، والشهرة أوسع وأسرع ! إذا كنت تعرف أوزان الشعر، يكفي الكامل مثلا، فالأمر في غاية البساطة: تكتب في أيّ موضوع؛ القصيدة الوطنية أفضل بطبيعة الحال، وتجعل القصيدة طويلة ما أمكن! لا يبهر القارئ العربي شيء مثل  خمسين ستين بيتا من الشعر بقافية واحدة : نهر طويل أبيض، وعلى ضفّتيه  كفّتان من الكلام متساويتان مختومتان بحرف واحد! المعنى غير مهمّ، واللغة غير مهمّة. لا أحد، اطمئنّ، سيقرأ القصيدة حتى النهاية. المهمّ المنظر، وهل العالم من حولنا كلّه إلا مناظر ومظاهر؟ 
 
     إذا لم تعرف الأوزان فلا مدعاة إلى التردّد والإحباط ! الشعر التفعيلي، صدّقني، أرقى وأنقى. كلّ شعر درويش في الفترة الأخيرة كان تفعيليّا! تقول إنك لا عهد لك بالوزن أصلا؟ لا يهمّ، المهمّ أن تكتب النصّ في سطور قصيرة، لا تصل إلى نهايتها  بأيّ شكل!!  الأفضل أيضا أن تكون قصيدتك طويلة ما استطعت إلى ذلك سبيلا! لا أحد سيقرؤها حتى النهاية طبعا، لكنّ الطول ضروري، ما في ذلك شكّ: هل الفتاة الطويلة الممشوقة مثل فتاة قصيرة طول شبر؟!
 
   هذا بالنسبة إلى القصيدة. تكتبها وفق المواصفات أعلاه. لكنّ المشروع لا ينتهي عند هذا الحدّ طبعا. في كلّ ندوة شعرية لا بدّ لك من المشاركة البارزة: تقف أمام الجمهور، وتصرخ بأعلى صوتك. في المواضع الوطنيّة من القصيدة والأعلام التاريخيّة، بشكل خاصّ. طبعا سيرتفع التصفيق إلى عنان السماء. تتوقّف هنيهة، ثمّ تعيد قراءة المقطع ذاته. هكذا يفعل كلّ الشعراء الكبار، صدّقني! 
     

      بعد المهرجان ترسل القصيدة إلى كلّ الصحف والمواقع الإلكترونية. لا تخف، ينشرونها  في أسرع وقت، وبدون قراءتها، في أغلب الأحيان. حتى إذا قرءوها ولم يفهموا منها شيئا، فلا بدّ من نشرها طبعا، باعتبارها من الشعر الحديث الغامض. لا يفهمون قصائد أدونيس، فلماذا يجب على قصائدك أن تكون مفهومة؟! 
 
         بعد المهرجان الشعري، والنشر الواسع، يُستحسن أن يكتب أحد الأصدقاء، أو تكتب أنت باسم مستعار، مقالة نقديّة في تحليل القصيدة، وكشف المغازي العميقة  فيها. كلمة كتبتها عرضا يمكن أن تشكّل فاتحة نقد عميق للقصيدة. لا تنس أنّ النقّاد كثيرون، وبعضهم يمكن أن تحمّله جميلا، لأنك وفرت له هذه الفرصة في الكتابة والنشر ! 
 
         تذكّر، بالإضافة إلى كل ما تقدّم، أن تكون حاضرا في كلّ لقاء شعري، أو أمسية أدبيّة، حتّى إذا لم تشارك فيها بنتاجك: تسلّم على كلّ من يجيء في طريقك سلاما حارّا، حتى إذا لم تعرفه، ثمّ تجلس في مكان بارز ليراك جميع الحاضرين، وتظهر في كلّ الصور، في وسائل الاتّصال لاحقا. هذا مهمّ بل في غاية الأهميّة. كثيرون لا يقرءون من المقال إلا الصور، صدّقني! 
 
      طبعا، العمل يحتاج أخيرا إلى المثابرة وإلى كثير من المال أيضا: ملابس جديدة برّاقة، وسيّارة طويلة وبرّاقة أيضا.  المسألة مكلّفة كما ترى، وهل بغير المال تُكتسب المعالي؟ لا شيء  ببلاش إلا العمى والطراش!!
 
ملاحظة: هكذا تصبح، صديقي، شاعرا مرموقا، يشار إليه بكلّ الأصابع. أمّا إذا رغبت في أن تصير كاتب قصص قصيرة أو كاتب روايات، فالمسألة أصعب قليلا. لكن ما من شيء مستحيل، وٍفي مقالنا القادم، ستجد الوصفة الناجعة، في الوصول إلى هذه القمم الرائعة!!                 


بروفسور سليمان جبران- باحث، ناقد ومحاضر اكاديمي متقاعد

jubrans3@gmail.com




يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.