يجب الاعتراف بأن مجموعة من المضامين التي تناولتها اذاعة الشمس خلال السنوات الماضيه كانت صعبة للأذن الأسرائيليه اليهودية

رقابة خارج بقعة الضوء

طبيعة العلاقة بين السلطة الثانية واذاعة الشمس بلورت حدود حرية التعبير للأذاعة بعيدا عن العين المراقبة لمحكمة العدل العليا والجمهور. عشية يوم الغفران اصدرت محكمة العدل العليا امرا احترازيا مؤقتا ضد السلطة الثانية للتلفزيون والراديو يمكن اذاعة الشمس من البث في يوم الغفران. المسوغات لهذا القرار لم تفسرها المحكمة وقالت انها ستنشر في موعد لاحق . لا بد من الاشارة الى أن اذاعة الشمس تعمل منذ 11 عاما, وطيلة هذه السنوات قدمت البرامج في يوم الغفران باستثناء العام الماضي بناء على اوامر صدرت من السلطة الثانية . القرار بوقف البث لم يكن استثنائيا لكنه لم يطبق في الماضي على اذاعة الشمس على الرغم من كونه بندا اساسيا في قوانين وانظمة البث ويعتبر عدم تطبيقه مخالفة جوهرية لشروط العطاء وقد يؤدي الى سحب الترخيص.

في العام الماضي احتج المدير العام للاذاعة سهيل كرام على استلام الأوامر بالتوقف عن البث في وقت ضيق وعشية يوم الغفران ولم تعط للأذاعة امكانية الأستعداد للرد وخضعت للتعليمات وتوقف البث لأول مرة , وفي حينه توجه مركز "اعلام" للسلطة الثانية لفحص امكانية الغاء البند ذات العلاقة بمنع البث وأبدى الطاقم القضائي للسلطه استعدادا لالغائه.

المنطق السليم يدفعنا للاعتقاد أنه لا بد من التعامل مع هذه القضية لحساسيتها خلال العام الجاري (خاصة لكونها قضية حساسة تدمج بين حرية التعبير وحرية الديانات وسياسة تفعيل الرقابة ), من أجل الوصول الى قرار عشية يوم الغفران لكن الأمر لم يعالج قط اما بشكل متعمد واما سهوا ولذلك وصلت الأمور الى حد الانفجار في الأيام الأخيرة , ونثمن موقف محكمة العدل العليا التي حسمت وسمحت للأذاعة بالبث.

وبملاحظة جانبية, لا بد من الاشارة الى ان كرام استثمر تزامن عيد الاضحىى مع يوم الغفران وهذا التزامن سيتكرر العام القادم وعليه فان مكسب اذاعة الشمس في هذه الحالة مضاعف. الية التعامل من قبل السلطة الثانية لم تفاجئنا, في العامين الماضيين أجرينا بحثا شاملا حول اذاعة الشمس ودورها في خط التماس ما بين السياسسة والأقتصاد والتنظيم وهذا البحث سينشر خلال اشهر ولكن من العلامات الفارقة للمواجهة بين الأذاعة وبين السلطة الثانية هي التناقض ما بين رغبة الرقيب في التعامل مع المحطه كأداه لتقريب وجهات النظر وبين مهمتها كمحطه (أو اذاعه) تلبي حاجيات سياسيه, ترفيهية, تجارية لجمهورها والقصد العرب في اسرائيل.

جمهور الهدف الاساسي للاذاعة هم المواطنون العرب في الشمال. وتبين خلال البحث أن السلطه الثانية لم تتلقى شكاوى من هذه الشريحة , بل معظم الشكاوى رفعت من مواطنين يهود ومنظمات تراقب الصحافه أو سياسيين يمينيين, لم يتقبلوا واقع استغلال موارد عامه وامواج البث للتعبير عن مواقف ايجابية تجاه العرب بشكل عام .

اضف الى ذلك وخلال اجراء البحث واجهنا صعوبه في الاطلاع على التقارير والبروتوكولات التي وثقت الجلسات وعالجت شكاوى الجمهور ومعطيات الاستطلاعات التي تجريها السلطه الثانية بخصوص اذاعة الشمس , كذلك الامر بالنسبة لجلسات لجنة الاذاعات التابعه للسلطه , اذ يتضح ان اذاعة الشمس غير ظاهرة في النصوص التي تعرف "كمجمع لمعالجة الخروقات" في الموقع الالكتروني الخاص بالسلطه الثانيه على العكس من باقي المحطات المنضوية تحت كنف السلطة الثانية , وفي بروتوكولات النقاشات الخاصة بمجلس السلطه الثانيه التي تظهر في الموقع تم شطب وبشكل مقصود فقرات وملاحظات ذات علاقة باذاعة الشمس وكتبت عبارة مقطع ناقص !! من المعقول ان لا تسجل اي خروقات لأذاعة الشمس؟ وما اللذي قيل في هذه الجلسات بشكل حاد وسري لدرجه تتطلب شطبه تماما؟

الاجابه هي ما نعرفه في البحث ب"الرقابة بغمزه" او الرقابة خارج بقعة الضوء داخل السلطه , أي علاقة المحطه والمسؤول عن التنظيم تتصف بتفاهمات "غامضه" او ضبابية. والسبب بمفهونا , هو ادراك السلطه الثانيه أن محكمة العدل العليا ستلغي قراراتها بالغاء برامج أو توبيخ المحطه على تفوهات مذيعيها. لذلك فأن حدود حرية التعبير للمحطه قد تبلورت بعيدا عن عيون محكمة العدل العليا ومراقبتها وايضا اعين الجمهور, ومن خلال محاولات "كسر ذراع" المحطه بعيدا عن الاجرا ءات الرسمية.

يجب الاعتراف بأن مجموعة من المضامين التي تناولتها اذاعة الشمس خلال السنوات الماضيه كانت صعبة للأذن الأسرائيليه اليهودية, ولكن يجب أن نؤكد أن اذاعة الشمس ولكونها اذاعة عربيه ستخطىء ولا تقوم بدورها تجاه الجمهور العربي في اسرائيل في حال تجاهلها للتوترات والتعقيدات القوميه في اسرائيل, بل نقول اكثر من ذلك فان الاذاعة , ستتحول الى منبر فاقد للمنطق والموضوعيه, وستساهم بتغذية شعور النفور السائد لدى الجمهور العربي وتدفعه للبحث والتفتيش عن بدائل في وسائل اعلام اخرى, تقليديه وديجيتاليه خارج اسرائيل.

في شروط العطاء التزمت اذاعة الشمس بالمحافظه على مبدأ التسامح والتعددية والديموقراطيه ومنح حرية التعبير لمختلف الشرائح والثقافات ومبدأ التطور. اما ما يتعلق بالأخبار, فهنالك شرط في المناقصه ينص على ان صاحب الأمتياز يبث الأخبار وما يتماشى مع هوية الاذاعة وجدول برامجها وما يتلائم مع جمهور الهدف استنادا الى مصادقة المجلس العام للسلطة الثانية. لذلك فأن وجهة النظر التي تتبنى موقفا يقول أن المحطه تبث مضامين لا تشكل جسرا" للسلام" وهي تناقص شروط المناقصه أو تستخدم بشكل سيء الموارد العامة هو نظرية لا نتفق عليها ولا تتماشى مع شروط المناقصه لراديو مناطقي وتحمل في طياتها ابعادا تتناقض ومبدا الدفاع عن حقوق الانسان واولها حرية التعبير في مجتمع ديموقراطي ان تبني اذاعة الشمس مبادىء التعايش والثقافة للسلام لا يعني تبنى الموقف العام للتيار المركزي الأسرائيلي.

وهنا لا بد ان نقارن بين اذاعة الشمس و اذاعة "كول حاي" لليهود المتزمتين حيث اعلنت الاخيرة مسبقا أن مضامينها تتماشى مع ما يؤمن به جمهورها فقط أي انها جاءت لتخدم جمهورها وليس الجمهور الأسرائيلي بشكل عام ورغم مبدأ التوازن في البث واستخدامها للموارد العامة فأن المحطه لا تعرّف نفسها كجسر للجمهور غير المتدين, وفي سياق متصل وخلال كتابة البحث ناقشنا ظاهرة اقصاء النساء من المحطه المعدة للجمهور اليهودي المتزمت على خلفية رفض اذاعة קול ברמה التحدث الى النساء عبر الاثير.

وهنا قال رئيس مجلس السلطه الثانيه د. ايلان افيسار انه يحب تفهم الأعتبارات الثقافيه المتعدده واحترام قيم جمهور الهدف للمحطه رغم ان موقف الاذاعة في هذه الحالة يشكل انتهاكا صارخا لمبدا المساواه الذي يعتبر من الحقوق الأساسية المحميه في مجتمع ديموقراطي بشكل عام ودولة اسرائيل بشكل خاص, وهنا نتسائل لماذا نتوقع من اذاعة الشمس موقفا مغايرا ؟

ان نهج مدير عام السلطه الثانيه الحالي د. شاي بابد يعكس التزامه الكبير بالقانون والتطبيق الحاد للنصوص بحذافيرها, ولكن قبل تطبيق القوانين والقواعد بحذافيرها يجب فحص ما هو مطلوب ومنطقي في هذا التطبيق , كان امام السلطه الثانيه عاما كاملا لفحص ملف البث في يوم الغفران لكنها فشلت بذلك. لذلك تعود محكمة العدل العليا لتكون لاعبا في حلبة رسم حدود حرية التعبير لأذاعة الشمس.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.