امتد حكم الخلافة الاموية لبلاد المسلمين فترة طويلة، ظهر خلالها الكثير من المعارضين لها ومنهم عائلة كانت تدعى العائلة العباسية، التي جمعت حولها المعارضين للدولة الاموية حتى استطاعت القضاء عليها واعتلاء الحكم وتعلن عن قيام الدولة العباسية، وسميت بذلك نسبة الى العباس بن عبد المطلب عم الرسول، وكان من أشهر خلفائها أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني.


أبو جعفر المنصور

ولد أبو جعفر عبد الله المنصور بن محمد عام 709 في الحميمية في الأردن وهي المكان الذي استقرت فيه الاسرة العباسية بعدما هاجرت من الحجاز، والده محمد هو حفيد عباس الجد الأول للعائلة، وكانت أمه من العبيد البربر.

تقلد مقاليد السلطة بعد أخيه الذي حكم لمدة خمس سنوات، ادى خلال حكمه أعمالًا كثيرةً مما جعله المؤسس الحقيقي للحكم العباسي، وانشا ابو جعفر المنصور عاصمته الخاصة بالدولة العباسية وعرفت بمدينة السلام، والتي سميت فيما بعد باسم بغداد.

ساهم مع أباه وباقي أفراد العائلة العباسية في اسقاط الأمويين وجذب المتمردين الخراسانيين، وكان له دور كبير في القضاء على فلول الأمويين.

كان ابو جعفر المنصور رجلًا قاسيًا على الأعداء وحليفًا لا يمكن الوثوق به، فعمل على اخماد العديد من الثورات وغدر بأفراد الحركات التي كان لها الفضل في تولي العباسيين الخلافة، ومنهم أبو مسلم، الرجل الذي ساعده في الوصول إلى السلطة.

وبرغم ان إدارته للبلاد كانت قاسية وظالمة أحيانًا، الا انه كان له دور في ظهور الأسرة العباسية بصورة قوية يحسب لها ألف حساب.


صفاته

يمكن القول بان ابو جعفر المنصور رجل طويل القامة ونحيل البنية، بشرته بنية اللون ولحيته غير مشذبة، عرف بحياته البسيطة وعدم التبذير في الإنفاق، وعرف بحبه للشعر وبعده عن الموسيقا واعتراضه عليها.


توليه الخلافة وبداية الحكم

بعد الإطاحة بالخلافة الاموية واثناء حكم أخيه الذي دام خمس سنوات، قاد أبو جعفر المنصور جيشًا إلى بلاد الرافدين وتلقى عرضًا ليكون الحاكم بعد وفاة آخر الخلفاء الأمويين، فقد استسلم له آخر حاكم أموي على رأس جيشه بعد محاصرة أبي جعفر له واعطاه الأمان باسم أخيه الخليفة ثم أعدمه بعد ذلك مع عدد من أتباعه.

بعد ان توفي أخيه الخليفة، أصبح ابو جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين وحمل مهمة تأسيس الخلافة العباسية القوية فكان له دور بارز في القضاء على المتمردين والخصوم، خاصةً حركات التمرد التي قادها عدد من قادة الجيش، وكان أخطرها عام 754 بقيادة عمه عبد الله الذي اعتبر أنه أحق بالخلافة من ابن أخيه، وبمساعدة أبي مسلم استطاع المنصور من القضاء على هذا التمرد.


إنجازاته

كان لأبي جعفر المنصور المسؤولية الأكبر لعزل العائلة العباسية عن مؤيديها ممن ساعدوا في إيصالها للحكم؛ حيث تلطخت يداه في قتل عدد من قادة الحركات المؤيدة له أثناء حكم أخيه وكان أبرزها قتله أحد أبرز مساعديه، ومن له الفضل في وصوله للخلافة؛ أبي مسلم، وهذا أسهم في عزل العائلة العباسية عن محيطها.

مقتل أبي مسلم

كان لأبو مسلم دورًا مهما في مساعدة الأسرة العباسية في الثورة على الأمويين، لكن بعد استلام ابو جعفر المنصور الخلافة بدأت مشاعر الغيرة خصوصا بعد زيادة قوة أبو مسلم ونفوذه وتأثيره على من هم حول المنصور، ومع ذلك أرسله على رأس جيش لإخماد ثورة ضده بقيادة عبد الله بن علي الذي هرب بعد عدة معارك تاركًا خلفه معسكره وفيه الكنوز لتقع بيد أبي مسلم.

أرسل ابو جعفر المنصور لاستلام الكنز، لكن أبا مسلم رفض تسليمه واحتفظ به لنفسه وتمرد عليه وغادر بلاد الرافدين واستقر في خراسان، فأسرع المنصور بالتوجه على رأس جيشٍ نزل بالقرب من مدينة رومية وعرض عليه الاستسلام له ووعده بعدم اعتقاله وأرسل له بعض الشخصيات لإقناعه بذلك.

وافق أبو مسلم على الاستسلام وذهب إلى أبي جعفر المنصور الذي جهز له خيمةً ليقيم فيها ثم طلب منه أن يأتي لمقابلته، وكان ينتظره عدد من الجنود الذين ما إن سمعوا إشارة المنصور حتى غرسوا سيوفهم في جسد أبي مسلم.


بناء العاصمة بغداد

لم تكن إنجازات أبي جعفر المنصور في النواحي العسكرية التي ظهرت في محاربة كل أعدائه لكن فترة خلافته عرفت إنجازًا حضاريًا عظيمًا عندما اختار إنشاء عاصمته مدينة السلام عام 762، لتسمى فيما بعد باسم بغداد.

قد يعتقد الكثيرون أن سبب بنائه لبغداد هو الاضطرابات التي حدثت تلك الفترة في المدن العراقية الرئيسية كالبصرة والكوفة، الا ان البعض يستشهد بقول المنصور نفسه أن الأسرة العباسية قد أتت لتبقى وتستمر في حكم هذه البلاد وهذا ما قد يفسر استخدام المنصور مواد بناء بغداد من أنقاض مدينة قطسيفون عاصمة آخر السلالات الإيرانية.

وقد يفسر البعض سبب بناء بغداد واتخاذها عاصمة للخلافة العباسية بحاجة أبي جعفر المنصور لتأمين مكان تستقر وتتنامى فيه البيروقراطية التي أسسها متأثرًا بالأفكار الإيرانية طامعا بإيجاد أسس متينة للحكم العباسي.


الحياة الثقافية في الدولة

توجه العالم الإسلامي توجهًا جديدًا خلال فترة حكم أبي جعفر المنصور متمثلا في ظهور الأدب والأفكار العلمية، من خلال دعم العباسيين للفرس وباقي المجموعات التي حاربتها الدولة الأموية، ومع ذلك لم تتغير نظرة العالم الإسلامي للأدب والعلوم الفارسية أنها أقل مستوى من غيرها.

ونتيجة لضعف رقابة المنصور على الفرس ظهرت حركة بين المثقفين الفرس سميت بالشعوبية؛ والشعوبية هي حركة أدبية تعتقد أن الفن والثقافة الفارسيين يتفوقان على نظيريهما عند العرب حيث ساهمت في عقد جلساتٍ حوارية بين المثقفين العرب والفرس.

ولم تكن انجازات المنصور الثقافية قاصرة عند هذا الحد انما أسس بيت الحكمة في بغداد أحد أهم منابر الثقافة والعلوم في تلك الفترة.


وفاته

اثناء ذهاب المنصور لأداء فريضة الحج عام 775، توفي ابو جعفر المنصور ودفن في مكانٍ ما بعد أن حفر مئات المقابر على طول الطريق الذي سلكه كي لا يصل الأمويين إلى جثمانه، وتولى الخلافة من بعده ابنه المهدي الذي لقب نفسه بذلك اللقب إشارة إلى أسطورة المهدي التي تؤمن بقدومه لتحقيق السلام والعدالة في هذا العالم.


المراجع

Abu Ja’far al Mansur، من موقع: www.thoughtco.com، اطلع عليه بتاريخ 17-08-2019.


AL-MANSUR (A.D. 754-775), THE BUILDER OF BAGHDAD، من موقع: factsanddetails.com، اطلع عليه بتاريخ 17-08-2019.


يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.