إحدى أبرز مشكلات اضطراب الشخصية النرجسية هو أن المصاب به غالبًا لا يدرك التأثير السلبي لسلوكه على الآخرين.
فقد يتسبب لهم بأضرار نفسية دون أن يكون واعيًا بذلك، كما أن تصرفاته قد تؤدي إلى تدمير حياته الشخصية. فكيف يمكن التعامل معه؟
الاسم "النرجسية" مستوحى من الأسطورة اليونانية نارسيس، الذي كان مفتونًا بجماله لدرجة أنه وقع في حب انعكاس صورته في ماء البحيرة.
هذا الافتتان بالنفس يمكن أن يتطور إلى حالة نفسية تحتاج إلى تدخل علاجي، حيث يؤدي اضطراب الشخصية النرجسية إلى سلوكيات مضرة بالشخص نفسه وبمن حوله، سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية.
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟
يُعرف اضطراب الشخصية النرجسية بأنه حالة نفسية تؤثر على سلوك الفرد وتزيد من شعوره بالعظمة والأهمية الذاتية.
يتصف المصاب برغبة شديدة في نيل إعجاب الآخرين، على الرغم من افتقاره للتعاطف مع مشاعرهم. وفقًا لما ورد في موقع NLM، يعاني هؤلاء الأفراد من عدم القدرة على فهم احتياجات الآخرين أو مراعاة مشاعرهم.
وفي سعيهم المستمر لجذب انتباه المحيطين بهم والتفاخر بإنجازاتهم، غالبًا ما يجد النرجسيون صعوبة في تكوين علاقات صحية سواء على الصعيد الشخصي أو المهني.
ووفقًا لموقع Mayo Clinic، رغم مظهرهم الخارجي الذي يوحي بالثقة والإبهار، إلا أنهم في الحقيقة يعانون من ضعف احترام الذات والخوف من الانتقاد، مما يجعلهم يشعرون بالخذلان وخيبة الأمل.
أعراض اضطراب الشخصية النرجسية
قد يكون من الصعب في البداية التعرف على الشخص النرجسي، سواء كان زميل عمل أو شريك حياة أو أحد أفراد العائلة. فهم عادة ما يظهرون في البداية كأشخاص جذابين وواثقين بأنفسهم.
لكن مع مرور الوقت، يصبح التعامل معهم أمرًا مرهقًا. موقع Cleveland Clinic يوضح الأعراض التي قد تدل على الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية، ومنها:
1- تقدير مفرط للذات والشعور بالاستحقاق.
2- أوهام عن النجاح والقوة والجمال والتميز.
3- السعي الدائم للحصول على إعجاب الآخرين.
4- استخدام الآخرين بشكل أناني لتحقيق مصالح شخصية.
5- الغضب عند عدم تلبية احتياجاتهم.
6- عدم التعاطف مع مشاعر الآخرين.
7- شعور دائم بالحسد والتقليل من إنجازات الآخرين.
8- التصرف بغطرسة وتعالٍ على المحيطين.
9- غالبًا ما يصاحب هذا الاضطراب شعور بالاكتئاب وحساسية مفرطة تجاه النقد.
أسباب اضطراب الشخصية النرجسية
هل يولد الإنسان نرجسيًا؟ قد يكون ذلك ممكنًا، ولكن التربية الصحيحة والتعامل مع سمات هذا الاضطراب منذ الصغر، خاصة في مرحلة المراهقة، يمكن أن يقلل من ظهور الشخصية النرجسية في مراحل البلوغ.
هناك عدة عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بهذا الاضطراب، وفقًا لما ذكره موقع "كليفلاند كلينك"، ومنها:
العوامل الوراثية
إذا كان أحد الوالدين أو أفراد الأسرة مصابًا باضطراب الشخصية النرجسية، قد تزيد احتمالية الإصابة بالاضطراب.
تجارب الطفولة السلبية
قد يؤدي تعرّض الطفل للصدمات النفسية أو الرفض أو الإهمال إلى تطوير سمات النرجسية.
أسلوب التربية
كما يمكن أن يؤدي الإهمال إلى تكوين شخصية نرجسية، فإن الإفراط في التدليل والحماية الزائدة قد يُنتج طفلًا نرجسيًا.
يتوقع من العالم أن يعامله بنفس الطريقة التي كان يُعامل بها في المنزل، مما يضعف قدرته على التعامل مع مشاعره وفهمها، ويجعله يواجه صعوبة في التحكم بها عند عدم تحقيق رغباته.
الثقافة
أشارت الدراسات إلى أن انتشار الثقافة الفردية في بعض المجتمعات، وتشجيع الاستقلال الشخصي، قد يزيد من احتمالية الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية، في حين تقل هذه النسبة في المجتمعات التي تركز على العمل الجماعي وتعزز دور المجتمع.
علاج اضطراب الشخصية النرجسية
عادة ما يتم التعامل مع اضطرابات الشخصية من خلال العلاج النفسي والمعرفي السلوكي، إذ لا يوجد دواء محدد يعالج هذا الاضطراب بشكل نهائي، ولكن الشخص يتعلم كيفية التعامل مع مشاعره وفهم سلوكه وتحسينه.
موقعا "مايو كلينيك" و"كليفلاند كلينيك" يقدمان عدة اقتراحات لعلاج النرجسية، ويجب تحديد العلاج المناسب لكل حالة من قِبل الطبيب المختص، ومن بين طرق العلاج المقترحة:
1- العلاج النفسي بالحوار.
2- العلاج المعرفي السلوكي.
3- العلاج الجماعي (Group Therapy).
يركز العلاج النفسي على تحسين العلاقات الشخصية، وتعليم الشخص تقبل الفشل والنقد، وفهم مشاعره والتحكم بها.
كما يُساعد العلاج على تطوير أهداف واقعية والتعامل مع المهارات الحقيقية للفرد.
في بعض الحالات، قد يصف الطبيب أدوية إذا كان الشخص يعاني من اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق أو الاكتئاب، ومن بين هذه الأدوية: مضادات الاكتئاب، مضادات القلق، ومضادات الذهان والصرع.
كيفية التعامل مع الشخص النرجسي
التعامل مع شخص نرجسي في العلاقات الاجتماعية أو في بيئة العمل قد يكون مجهدًا ويؤثر سلبًا على الصحة العقلية للمحيطين به.
لهذا، من الضروري الاعتناء بالنفس وتبني أساليب تعامل فعالة، كما يوصي موقع "Healthline":
التثقيف الذاتي
ينبغي التعرف جيدًا على اضطراب الشخصية النرجسية لفهم نقاط قوة وضعف الشخص النرجسي، مما يساعدك في تفسير مشاعره ودوافعه. بهذا، يمكنك تحديد متى يجب التغاضي عن سلوكياته أو قبول طبيعته.
الرعاية الذاتية
من المهم الحفاظ على احترام الذات ووضع حدود واضحة في التعامل مع الشخص النرجسي.
قد يؤدي التعامل معه إلى فقدانك لتقديرك لذاتك، لذا كن حازمًا في الدفاع عن نفسك وتعزيز قوتك الشخصية.
الاستجابة المناسبة
تحديد طريقة الرد على سلوكيات الشخص النرجسي يعتمد على طبيعة العلاقة التي تربطك به.
في حال كان رئيسك في العمل، يمكنك وضع حدود أو الابتعاد. أما إذا كان طفلك، يمكنك توجيهه وتصحيح سلوكياته.
مع الوالدين أو الشريك، من الأفضل توضيح مدى تأثير تصرفاته أو كلماته عليك، وتحديد الطريقة التي ترغب في أن تُعامل بها، مما قد يسهم في تحسين العلاقة على المدى البعيد.
الحفاظ على الهدوء
تصرفات الشخص النرجسي قد تستفزك وتجعلك عرضة للردود الانفعالية، لذا من المهم الحفاظ على الهدوء.
يمكنك اللجوء إلى تقنيات التنفس العميق، اليوجا، أو التأمل للتخلص من التوتر.
كما قد يساعدك التخطيط المسبق لكيفية التعامل مع مواقف معينة.
البحث عن الدعم
امتلاك شبكة دعم قوية من الأصدقاء أو أفراد الأسرة يمكن أن يساعدك في مواجهة تأثير الشخص النرجسي.
قضاء وقت معهم بعيدًا عن التوتر سيساهم في استعادة ثقتك بنفسك وتخفيف العبء الناتج عن التعامل مع الشخص النرجسي.
التفهم بأنه بحاجة إلى مساعدة
رغم أن سلوك الشخص النرجسي قد يسبب لك الأذى، إلا أنه من المهم إدراك أنه يعاني من اضطراب عقلي ويحتاج إلى دعم متخصص.
وقت الرحيل
في بعض الأحيان، قد تصل الأمور إلى حدٍّ يؤثر على صحتك العقلية والجسدية، خاصة إذا كنت تتعرض للتلاعب أو الإساءة العاطفية أو الجسدية.
في هذه الحالة، يجب عليك إنهاء العلاقة لحماية نفسك وصحتك.
من النادر أن يعترف المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بحاجة إلى العلاج أو التغيير، ما يجعل الأمر صعبًا على من حولهم.
لذا، من الضروري تذكيرهم بشكل دائم بالحاجة إلى العلاج والتغيير.
طالع أيضًا
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.