رأي

يوم الأرض.. بعد أربعين عاما / زياد شليوط

بعد تشكيل لجنة الدفاع عن الأراضي اتخذت موقفا ثابتا وراسخا، وحددت لها تاريخا أقصى لاستعادة الأرض وأمهلت الحكومة حتى 30 آذار 1976 والا سيكون اضراب عام للجماهير العربية!

فجأة ودون استعداد خاص نجد أنفسنا نقف أمام الذكرى الأربعين ليوم الأرض الخالد الذي ولد في 30 آذار عام 1976، هكذا كما نقف فجأة أمام عقد جديد من عمرنا، نقف حائرين ومشدوهين أولا من مفاجأة عبور عقد آخر، وهكذا أجدني اليوم أقف في حالة فجائية غير مفهومة رغم بديهيتها الحياتية، أمام وصولنا للعقد الرابع من عمر "يوم الأرض"، الذي كنت شاهدا مع أبناء جيلي على ولادته، ومن أجل الدقة ليس كل أبناء جيلي الذين لم يختلفوا عن الأجيال الأخرى باهتماماتهم، والمقصود قلة من أبناء جيلي ممن تميزوا بالوعي السياسي والانخراط بالهم العام وساهموا بانطلاق يوم الأرض.

وبما أن الذكرى الرابعة حلت ونحن منشغلون بهموم أخرى وأفكار تطاردنا حول انحلال المجتمعات وضعف المركب القومي، وارتفاع منسوب التفكير الطائفي وانتشار قوة ارهاب "داعش" واخواته من الحركات التكفيرية المتطرفة، التي ركبت الدين مطية لها كي تضمن مكانا لها في أحياء الفقر وصفوف ضعاف النفوس والباحثين عن قشة يركبونها لينتقموا من عجزهم الشخصي والعام. لهذا أترك للذكريات أن تقودني الى أجواء وظروف ولادة يوم الأرض بعد مخاض أشهر ربما كان تسعة وربما سبعة، بعيدا عن التحليل والبحث والتقويم.

جيل نصر اكتوبر ومنظمة التحرير الفلسطينية

كنا قد تخرجنا من الصف الثاني عشر للتو، بعد عامين من نصر أكتوبر/ تشرين ومشاعرنا تطاول السماء، حين بدأنا نسمع ونقرأ عن موجة جديدة من مصادرة الأراضي العربية من قبل الحكومة الاسرائيلية، وخاصة في منطقة المل في سخنين لصالح المستوطنات والمشاريع اليهودية بهدف تهويد الجليل والحد من النمو العربي فيه. وبدأت تعقد الاجتماعات التشاورية بين القوى والشخصيات الوطنية وفي مركزها الحزب الشيوعي.. وهنا أجدني مضطرا للاسترسال للتعليق على ما يتناقله البعض خطأ، فهناك من ينسب ولادة يوم الأرض للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتي لم تكن قد تشكلت يومها، بل هي تكونت بعد يوم الأرض وكنتيجة له، فالحزب الشيوعي كان هو الاطار المنظم الوحيد تقريبا، وكان معه أصدقاء وحلفاء من الأفراد الوطنيين والقوميين، الذين انضموا فيما بعد لصفوف الجبهة ولم يكونوا أعضاء منظمين في الحزب الشيوعي.. ووصلت الاجتماعات التشاورية الى الاعلان في اجتماع موسع عقد في الناصرة عن تشكيل لجنة الدفاع عن الأراضي العربية، واختير يومها القس شحادة شحادة، رئيسا للجنة والذي بقي يرأسها حتى يوم وفاته، وبرز يومها وبعدها القس شحادة كشخصية وطنية يشار لها بالبنان، حيث اعتلى المنابر خطيبا مفوها وجريئا يقول كلمته بشجاعة وجرأة يقارع السلطة ومن ناحية ويحشد الجماهير من الناحية الثانية، واستطاع أن يقود لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بحنكة وحكمة، ومعه برز الصحفي والمناضل الشيوعي العريق صليبا خميس، حيث تولى مهمة سكرتير اللجنة ومعهما الشخصيات الوطنية أيامها من توفيق زياد الى أميل حبيبي واميل توما وعضو الكنيست توفيق طوبي وكلهم من الحزب الشيوعي، ومعهم المحامي محمد ميعاري والسيد مسعد قسيس، رئيس مجلس معليا ونشيطين من حركة أبناء البلد.

بعد تشكيل لجنة الدفاع عن الأراضي اتخذت موقفا ثابتا وراسخا، وحددت لها تاريخا أقصى لاستعادة الأرض وأمهلت الحكومة حتى 30 آذار 1976 والا سيكون اضراب عام للجماهير العربية! اضراب عام؟ لم نكن نعرف ما معنى اضراب الا من خلال ما نسمعه في المناطق الفلسطينية المحتلة، لكننا لم ندخل في هذه التجربة. لذا بدأت الاستعدادات والتعبئة الجماهيرية التي كانت جاهزة، بفعل نتائج حرب أكتوبر وارتفاع شعبية منظمة التحرير الفلسطينية في العالم، ووقوف رئيسها ياسر عرفات خطيبا على منبر الأمم المتحدة. من ناحيتها أخذت السلطة تشتغل بين أوساطها وخاصة الحلقة الأضعف، وهم رؤساء السلطات المحلية الذين كانوا بغالبيتهم تابعين للسلطة أو يأتمرون بأوامرها، عبر مستشار رئيس الحكومة للمواطنين العرب، وكان في حينه شموئيل طوليدانو الذي مارس ضغوطاته عليهم، وأثمرت باعلان معارضة اللجنة القطرية لرؤساء السلطات العربية لقرار الاضراب، وجاءهم الرد على لسان الرئيس الجديد والمعارض، المناضل توفيق زياد: " الشعب اتخذ القرار". وفعلا كان القرار قرار الشعب، ولجنة الدفاع التي استشعرت ما يرده الشعب.

25 آذار عزز قرار الاضراب

ويوم 25 آذار كان يوما مشهودا تثبت فيه قرار الاضراب الذي لا رجعة عنه. يومها التأم رؤساء المجالس العربية في دار بلدية شفاعمرو، وكان طوليدانو على بعد عشرات الأمتار في مركز الشرطة (قلعة الظاهر عمر الزيداني)، يتابع مجريات الأحداث ويتأكد من تصويت الرؤساء بمعارضة الاضراب العام والشامل. وكنا من بين المئات الذين أحاطوا بدار البلدية يهتفون ويعلنون أن القرار هو الاضراب، ولم يلتفت الرؤساء بغالبيتهم لااردة الجماهير انما كانوا يسعون لارضاء السلطة التي أرسلت بقوات كبيرة من عناصر الشركة وحرس الحدود لتحميهم من غضب الجماهير.

ومن خلال الواجهات الزجاجية لقاعة الاجتماعات في دار البلدية، شاهدنا توفيق زياد يثب كالأسد على الطاولة معلنا معارضته لقرار الرؤساء وأن الشعب هو صاحب القرار، فهاجت الجماهير خارج القاعة وعلت الهتفات، واستنفرت قوات الشرطة، وضيقت الجماهير الطوق على الرؤساء الذين بدأوا يخرجون تحت حراسة مشددة، وطالهم ما طالهم من بصاق وشتائم على موقفهم المهادن والخانع، وخرجوا ببهدلة لم يحلموا بها، ولولا حماية الشرطة المكثفة لطالتهم الأيادي الغاضبة. بالمقابل اقتربت الجماهير لتحمي القائد العنيد توفيق زياد ومعه قلة من مؤيدي الاضراب، ووقعت المواجهات حين اعتدت الشرطة على الجماهير كي تسمح لباقي الرؤساء بمغادرة القاعة، وكانت المرة الأولى التي نعرف فيها قنابل الغاز الذي استنشقناه عنوة، وكان هناك من أصحاب التجربة الذين زودوا المتظاهرين بالبصل ليقاوموا غاز القنابل، وقام أحدهم بتصوير هجوم الشرطة بكاميرته، فطاردته عناصر الشرطة لكنها أخفقت في القاء القبض عليه، واستمرت المواجهات مع الشباب حتى شوارع شفاعمرو الضيقة في السوق ومركز المدينة، وكان يوم 25 آذار اليوم الذي سطرت فيه شفاعمرو يوما آخر من أيامها المشهودة، والتي أعلنت فيها وأكدت وقوفها الى جانب شعبها وقضاياه الجوهرية.

لجنة شعبية وحدوية في شفاعمرو

وبعد يومين عقد المهرجان المنطقي تحضيرا ليوم الأرض في ساحة المدرسة الأسقفية الكاثوليكية (مدخل السوق القديم)، حيث زحفت جماهير المنطقة من طمرة وعبلين وكابول وشعب وبلدات أخرى اضافة الى شفاعمرو، وكان مهرجانا مشهودا، حيث وقف يديره الكاتب والمربي الشفاعمري (المغترب) ناجي فرح والى جانبه القس شحادة شحادة رئيس لجنة الدفاع عن الأراضي العربية وعدد من الشحصيات الوطنية، وكانت مفاجأة المهرجان اعتلاء المنصة الشاب رياض مهنا عليان، ليعلن رفضه الخدمة العسكرية المفروضة اجباريا عليه وعلى أقرانه من الشباب العرب الدروز ووقوفه الى جانب شعبه.

وتشكلت في شفاعمرو لجنة شعبية تقود العمل الوطني عامة وانجاح يوم الاضراب خاصة، تكونت من ممثلي الحزب الشيوعي واتحاد الأكاديميين وشخصيات وطنية واجتماعية مستقلة، لعبت دورا هاما في حياة شفاعمرو في تلك المرحلة، وأصدرت في العام التالي وعشية الذكرى الأولى ليوم الأرض كراسا خاصا بالمناسبة، نشرت فيه الصور التي أخفقت الشرطة في اعتقال مصورها، وأسماء المعتقلين والمصابين الشفاعمريين في مواجهات التصدي للشرطة، وكان أن دفع بعضهم ثمن توزيع هذا الكراس في أماكن "محرمة" سلطويا، لكن المرحلة كانت مرحلة عنفوان وتحدّ وصمود.

(شفاعمرو- الجليل)

 

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.