نشرت الصحف الغربية في خريف عام 1945 على صفحاتها مقالات مثيرة تحت عنوان: "الجاسوسة التي استولت على قلب هتلر". حيث تلذذ الصحفيون بنشر الشائعات حول العلاقة التي كانت تربط الفنانة المفضلة لدى أدولف هتلر أولغا تشيخوفا بالمخابرات السوفيتية، هذه المرأة، "نجمة " السينما الألمانية التي هاجرت إلى ألمانيا من روسيا البلشفية، كانت محاطة بالكثير من الأسرار والألغاز، معظمها لم يتم الكشف عنها حتى يومنا هذا
فمنذ نعومة أظفارها أذهلت أولغا تشيخوفا، من مواليد كنيبر عام 1897، الجميع بجمالها وذكائها وتصميمها، مع الإشارة إلى أنها عرفت بهذه الكنية بعد زواجها من الممثل ميخائيل تشيخوف وهو ابن أخ الكاتب المسرحي المعروف أنطوف تشيخوف الذي ساعدها بالالتحاق للدراسة في معهد موسكو للفنون المسرحية. وقتئذ كان المخرج العظيم قسطنطين ستانيسلافسكي مدرساً لأولغا تشيخوفا التي أظهرت موهبة فريدة من نوعها وسط كوكبة من هؤلاء الفنانين الكبار. لكنها فشلت في حياتها الأسرية، وافترقت عن زوجها بعد ولادة ابنتها. في تلك الأثناء اندلعت أحداث الثورة البلشفية في روسيا وبدأت الحرب الأهلية تدق ناقوس الخطر في كل مكان، ولهذا هاجرت أولغا إلى ألمانيا عام 1920.
بدأت أولغا حياة جديدة في هذا البلد، حيث لعبت الممثلة أدواراً في بعض المسارح الفقيرة لكنها كانت مصممة على تحقيق ذاتها وشق طريقها المهني. وبالفعل حققت أولغا إنجازات في مهنتها بفضل صبرها وعزيمتها ومثابرتها، ولفتت انتباه كبار المنتجين السينمائيين. وأصبح اسم تشيخوفا يظهر أكثر فأكثر على لوحات الإعلانات السينمائية. وفي الثلاثينات من القرن الماضي حققت أولغا حلمها وأصبحت نجمة لامعة بعدما مثلت أدواراً كلاسيكية رئيسية في أكثر من 100 فيلم.
ولدى وصوله إلى السلطة عام 1933 دعا هتلر الفنانة إلى حفل استقبال رسمي. وبالطبع سحرت هذه الفتاة الروسية بجمالها القادة النازيين، ومنذ ذلك الحين أصبح الفوهرر يدعوها إلى جميع الاحتفالات الرسمية الهامة، مع الإشارة إلى أن هتلر وحاشيته كانوا يشاهدون جميع الأفلام التي كانت تلعب فيها أولغا الدور الرئيسي، وقتها كانت تفتح جميع الأبواب أمام السيدة الروسية التي انتشر اسمها مدوياً في جميع أنحاء ألمانيا. وبطبيعة الحال فإن مثل هذه السيدة التي كانت تتمتع بنفوذ منقطع النظير والتي كان بإمكانها الوصول مباشرة إلى هتلر وغيره من قادة الرايخ الثالث، كانت محط اهتمام جهاز الاستخبارات السوفيتية.
على كل حال فقد وصف الجنرال بافل سودوبلاتوف ذلك العميل السوفيتي الشهير أولغا تشيخوفا بأنها عميلة سوفيتية. حيث أكد بأن الأجهزة الخاصة وضعت عام 1942 خطة لاغتيال هتلر، كان للفنانة الجذابة الدور الرئيسي فيها، وذلك عن طريق استغلال علاقتها بهتلر وتمرير مجموعة من القوات السوفيتية الخاصة، ولكن في اللحظة الأخيرة ألغى جوزيف ستالين فكرة اغتيال الزعيم النازي علماً أنه لا توجد أية أدلة تؤكد صحة الفرضية التي تحدث عنها الجنرال بافل سودوبلاتوف. ولكن الحادثة التي وقعت في ربيع عام 1945 تجعلنا أن نعير اهتمامنا بما قاله الجنرال السوفيتي بافل.
وفي ربيع عام 1945 وصلت الحرب إلى برلين وبات الرايخ الثالث وزعيمهم أدولف هتلر يعيش أيامه الأخيرة. وقتئذ ظهر ضباط من جهاز الاستخبارات السوفيتية في منزل تشيخوفا في شهر نيسان/أبريل ذلك العام وأخذوها على متن طائرة إلى موسكو واستقروا بها في شقة مجهولة. وبعد شهرين أعاد هؤلاء الضباط أولغا إلى برلين وتركوها.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن تفسير هذه الرحلة الغريبة؟ المعروف أن القيادة السوفيتية كانت على علم بصداقة تشيخوفا مع هتلر وهذا كان كافي لاعتبارها عدوة، وكما كان معلوماً أيضاً هو أن ستالين لم يكن يرأف بأعدائه. لكن تشيخوفا نفسها كتبت في مذكراتها بأن ضباط الاستخبارات السوفيتية تحدثوا معها في موسكو عن الأدب الروسي والموسيقى والمسرح والسينما بالإضافة إلى انطباعاتها عن القادة النازيين. ولكن يشير المراقبون أنه كان بإمكان هؤلاء الضباط أن يتحدثوا معها عن هذه المواضيع في برلين, ولذلك يرى الجنرال سودوبلاتوف أن العميلة تشيخوفا نقلت معلومات سرية للقيادة السوفيتية وتسلمت تعليمات جديدة. يشار إلى أنه في عام 1945 انتشرت شائعات بأن ستالين أمر بتقليد تشيخوفا جائزة وسام لينين لخدماتها للاتحاد السوفيتي. بعد ذلك ظهرت عناوين حول هذا الموضوع في الصحف الأوروبية مع الإشارة إلى أن الفنانة نفت هذه الشائعات.
بعد هذه الزيارة الغامضة إلى موسكو انتقلت أولغا تشيخوفا من برلين إلى ألمانيا الغربية، وواصلت العمل في مجال الفن السينمائي وقامت بتأسيس شركة لإنتاج مستحضرات التجميل باسمها في ميونيخ. توفيت أولغا تشيخوفا عام 1980 وبقيت إلى وقتنا الحالي واحدة من النساء الأكثر غموضاً في القرن العشرين.
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.