في الذكرى 96 لميلاد جمال عبد الناصر الوحدة الوطنية بنظر عبد الناصر هي ركيزة الوحدة القومية، فيما وحدة النضال العربي هي الطريق لنضال الوحدة العربية، والوحدة هي الردّ الإستراتيجي على كل المخططات الاستعمارية التي سعت وما تزال إلى تجزئة الأمّة إلى كيانات، وتقسيم الكيان الوطني إلى دويلات عرقية وطائفية ومذهبية



الوحدة الوطنية بنظر عبد الناصر هي ركيزة الوحدة القومية، فيما وحدة النضال العربي هي الطريق لنضال الوحدة العربية، والوحدة هي الردّ الإستراتيجي على كل المخططات الاستعمارية التي سعت وما تزال إلى تجزئة الأمّة إلى كيانات، وتقسيم الكيان الوطني إلى دويلات عرقية وطائفية ومذهبية

 

خاضت ثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر (1952 – 1970)، معارك كبرى، داخلية وخارجية، وطنية وقومية، تحريرية وسياسية، تنموية واجتماعية، غير أن المعركة الأهم تبقى معركة الوحدة، الوحدة الوطنية والوحدة القومية.

فالوحدة الوطنية بنظر عبد الناصر هي ركيزة الوحدة القومية، فيما وحدة النضال العربي هي الطريق لنضال الوحدة العربية، والوحدة هي الردّ الإستراتيجي على كل المخططات الاستعمارية التي سعت وما تزال إلى تجزئة الأمّة إلى كيانات، وتقسيم الكيان الوطني إلى دويلات عرقية وطائفية ومذهبية.

من هنا فإحياء ذكرى القائد الخالد الذكر لا تأخذ معناها الحقيقي إذا لم تضع في رأس أولوياتها السعي لصون الوحدة الوطنية في الأقطار، ولبناء الوحدة القومية على مستوى الأمّة، بغض النظر عن نظام هذه الوحدة، كونفدرالياً، كان أم فيدرالياً أو حتى اندماجياً، رغم إدراك عبد الناصر وكل مدارس الحركة القومية العربية المعاصرة، بضرورة إسقاط المفهوم الاندماجي للوحدة لأنه لا يستوعب الخصوصيات التي تزخر بها أمّة مترامية الأطراف كالأمّة العربية، ومتعدّدة المكونات الاجتماعية والثقافية المتساكنة في الوطن العربي الكبير الممتد من أقصى المغرب إلى أقصى زوايا الخليج.

ولقد أدراك ناصر، كما كل المدارس القومية، أن الوحدة ليست مجرد شعار نزيّن به الخطب والمقالات، أو مجرد هدف نسعى إلى إحراق المراحل لتحقيقه، بل أن الوحدة هي بشكل خاص فكر جامع، ونهج ينطلق من وحدة أصغر الخلايا في المجتمع إلى وحدة الوطن الأكبر.

فإن تكون وحدوياً يعني أن تنأى بسلوكك وخطابك عن كل ما يفرق أبناء الأمّة ومكوناتها، أياً كانت الذرائع والمبررات، بل أن تسعى للتركيز على ما يجمع ويوحّد وهو كثير، وتتجنب الغرق في كل ما يقود إلى تباعد أو تنافر بين أقطار أو جماعات مهما بدا هذا التنافر مغرياً، وهذا التباعد محققاً لمكاسب فئوية ضيقة، وفي مقدمها الوصول السريع إلى السلطة...

بل أن تكون وحدوياً هو أن تبقى أميناً لرسالة جمال عبد الناصر ولمبادئ العمل القومي العربي على حساب كل اعتبار آني، أو عصبية متخلفة، حتى ولو أدّت تلك الأمانة إلى التضحية بمصالح عابرة أو اعتبارات ذاتية وما أكثرها من حولنا.

أن تكون وحدوياً هو أن تدّرك أن بناء الوحدة العربية، فيدرالية كانت أم كونفدرالية، بات عملية متدرّجة تنطلق من التضامن السياسي إلى التكامل الاقتصادي من تبني المشاريع العربية المشتركة، إلى التلاقي على القضايا الجامعة وفي مقدمها قضية فلسطين، التي ما كان للدوائر الاستعمارية أن تقيم كياناً غاصباً على أرضها لولا رغبتها في إقامة حاجز استيطاني عنصري يفصل بين مشرق الوطن ومغربه.

    أن تكون وحدوياً هو أن تسعى لوحدة كل القوى المؤمنة بالوحدة العربية، عبر بناء أداة عمل شعبية عربية وحدة تنطلق من وحدة النضال العربي فتعزّز النضال من أجل الوحدة العربية، بل أن تسعى لقيام كتلة تاريخية على مستوى الأمّة كلها تضم كل قواها وتياراتها المؤمنة بالمشروع النهضوي العربي وعناصره الست: الوحدة العربية، الديمقراطية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستقلّة، العدالة الاجتماعية والتجدد الحضاري، وهو الذي يترجم الصلة الحميمة بين التشبث بتراث الأمّة الروحي والتطلع إلى منجزات العصر والتفاعل معها.

    أن تكون وحدوياً هو أن تعتبر نفسك مسؤولاً عن كل أبناء الأمّة وأقطارها ومكوناتها، بما في ذلك أولئك المتوجسين من الوحدة خوفاً على خصوصياتهم الدينية والثقافية ومصالحهم العابرة الضيقة، فلا تنساق بالتالي إلى ردود فعل إقصائية، أو ممارسات استئثارية، بذريعة اعتراض البعض على مشروع وحدوي هنا أو فكرة وحدوية هناك، فلا يمكن الجمع بين الفكر الوحدوي الجامع من جهة، والنهج الإقصائي أو الاحتكاري أو ألاستئثاري من جهة ثانية.

أن تكون وحدوياً هو أن تكون مقاوماً لكل احتلال أو هيمنة خارجية، سواء كان احتلالاً للأرض أو للإرادة، أو هيمنة على القرار أو الموارد، لأن المقاومة هي فعل إضعاف لكل القوى التي كرّست التجزئة وأطلقت العنان لمشاريع التفتيت، كما أن مقاومة الاحتلال والهيمنة هي الحركة الأقدر على توحيد مشاعر الشعوب وطاقاتها وتصحيح بوصلتها ووجهتها.

    أن تكون وحدوياً هو أن تكون ديمقراطياً تحترم إرادة الشعب وتصون حق الجميع في أن يكون له رأيه وحقه في أن يمتلك أساليب التعبير السلمية عن هذا الرأي وأدوات تفعيله وتحقيقه في الواقع.

    أن تكون وحدوياً هو أن تكون مناضلاً من أجل مجتمع "الكفاية والعدل" الذي دعا إليه جمال عبد الناصر، فلا تهمل التنمية بكل مستوياتها في برامجك ونضالك، كما لا تؤجل متطلبات العدل الاجتماعي تحت هذا الظرف أو ذاك، فالتنمية، كالوحدة، أحد عناصر القوة في المجتمعات، والعدل الاجتماعي يوفر للأمّة طاقات كبرى حال الاستغلال والحرمان دون زجها في معركة الكرامة الوطنية والقومية والإنسانية.

    أن تكون وحدوياً هو أن تسعى لتعزيز قوى الوحدة وآلياتها في المجتمع، كما أن تتفهم هواجس الآخرين وتحترم تحفظاتهم، بل أن تعامل هذه الهواجس والتحفظات كتحديات حقيقية للارتقاء بنضالك الوحدوي إلى مستوى أعلى، فيصبح جاذباً للآخرين، منزهاً عن كل الشوائب التي تعلق أحياناً بهذا النضال.

    أن تكون وحدوياً هو أن ترفض أي فهم "استبدادي" للوحدة، فلا تعتبرها هيمنة الكبير على الصغير، ولا إلغاء الكيان الأصغر حجماً وسكاناً لصالح الكيان الأكبر، فالعروبة هي تكامل وطنيات أولاً وأخيراً.

    أن تكون وحدوياً هو أن تقيس كل خطوة تخطوها، وكل كلمة تقولها بميزان الوحدة، فلا تخطوها إذا لم تكن باتجاه الوحدة، ولا تقولها إذا لم تخدم فكرة الوحدة، بل أن تكون وحدوياً هو أن تعيش هاجس إطلاق المبادرات الوحدوية سواء كانت فكرية أم ثقافية، اقتصادية أم اجتماعية، علمية أم تربوية، سياسية أم نضالية، فبناء الوحدة الأكبر هو نتاج تراكم تفاصيل عديدة على طريق الوحدة.

    أن تكون وحدوياً هو أن تجيد قراءة موقع أمّتك بين الأمم، وأن تدرك أهمية التكامل الحضاري والإنساني، لاسيّما مع دول الجوار، دون أن تفرط لحظة واحدة بسيادتك القومية واستقلالك وإرادتك الحرّة ومصالحك الحيوية.

    أن تكون وحدوياً في النهاية هو أن تكون جسر تواصل بين أبناء الأمّة وأقطارها وأجيالها وتياراتها، لا أن تزجّ بفكرة بحجم فكرة الوحدة في آتون صراعات دائرة في المنطقة، متهماً من يخالفك الرأي بالخيانة، وما يختلف عنك في الرؤية عدواً للأمّة.

    قد يبدو هذا الكلام طوباوياً في زمن الانقسام والتفتيت، وفي عهود التقسيم والانفصال، وفي وقت تطغى فيه أولويات الهويات الفرعية على الهوية الجامعة، كما قد تبدو هذه الكلمات أضغاث أحلام.

    ولكن لو تذكرنا أن الإنجازات الكبرى تبدأ بأحلام، وأن الرسالات بدأت بدعوات وأفكار، وأن الأمم التي ينظر بعضنا إليها بإعجاب قدّ مرّت بمراحل لا تقل ظلاماً وظلماً عما تمر به أمتنا اليوم، لأدركنا أن أمّة بلا أحلام أمّة ماضية حتماً إلى انقراض.

    عظمة عبد الناصر أنه حمل حلمه معه من "فلوجة" فلسطين حيث كان محاصراً في الحرب عام 1948، إلى القاهرة حيث فجّر مع رفاقه الثورة عام 1952، ورغم انكسار حلمه في أكثر من محطة، بقي جمال عبد الناصر حاضراً في وجدان أمّته بعد أكثر من 53 عاماً على رحيله، وبعد أكثر من 96 عاماً على ولادته في 15 يناير 1918..

    لم ينجح أبو خالد في تحقيق الوحدة العربية، لكن كل الحروب التي شنّت عليه، ومحاولات الشيطنة التي تعرّض لها، لم تستطع أن تمنعه من أن يكون رمزاً توحّدت حول ذكراه غالبية أبناء أمّته، وحتى خصومه اعترفوا بدوره ورمزيته...

    لماذا؟ لأن عبد الناصر كان مواطناً عربياً بسيطاً، مسكوناً بأوجاع أبنائها رافضاً الظلم والظلام معاً، بالتالي كان وحدوياً حقيقياً.

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.