ملفات خاصة

رئيس البلدية عام 48: يوسف الفاهوم -أنقذ الناصرة من التشريد والضياع

رئيس البلدية عام 48: يوسف الفاهوم انقذ الناصرة من التشريد والضياع

رئيس البلدية عام 48: يوسف الفاهوم انقذ الناصرة من التشريد والضياع

 

بقلم: نبيل عودة *

 

 

منذ بداية وعيي، كان اسم يوسف الفاهوم يتردد على لسان والدي وأعمامي من دار عودة، بصفته المنقذ لأهل الناصرة من التشريد ومن مواجهة آلة الحرب الصهيونية، التي لم تستطع كل الجيوش العربية مواجهتها وهزمها في حرب العام 1948.

اعرف من ذكريات والدي وأعمامي ان الجيش اليهودي الذي دخل الناصرة، قام بعمليات نهب وسلب للبيوت الواقعة على أطراف المدينة خاصة منطقة الخانوق ( المدخل الشمالي) والتي لجأ أهلها إلى دير مار يوسف(اليوم مدرسة شاملة متطورة) ومنهم أقاربي. ولكن مصدر موثوق لا يريد أن أذكر اسمه ، قال لي بعد أن نشرت هذا  المقال بصحيفة "الأهالي" المحلية  ، قال لي أن الجيش حقا دخل بعض المنازل للحصول على بعض الأغذية ولكن النهب الحقيقي للأثاث ولوازم البيت  قام به مواطنين عرب ...

 بالمقارنة بين مصير الناصرة والمصير الماساوي لمدن حيفا و طبريا و صفد و قرى"صفورية" والمجيدل ومعلول القريبة من الناصرة، تتضح صورة مذهلة للنكبة الفلسطينية..في ذلك الوقت المبكر !!

ومن هنا  تتضح حكمة وصواب موقف رئيس بلدية الناصرة عام 1948  يوسف الفاهوم وقدرته على اتخاذ القرار الصحيح والصعب في أكثر الأوقات سواداً على الشعب الفلسطيني، وعلى أهل مدينته-  الناصرة. ولا بد من سؤال صعب ، هل كانت مدينة الناصرة تملك القوة لصد احتلالها ؟ وهل كان الجبيش العراقي القريب مننت الناصرة جاهزا للدفاع عن المدينة ؟ وهل كانت لدي الفرق المسلحة العربية في ذلك الوقت القدرة على المبادرة .. والحديث عن 16 تموز 1948 ، أب بعد أن كانت الحركة الصهيونية قد أعلنت عن قيام دولة إسرائيل وحصلت على اعتراف المجموعة الدولية ، وصار واضحا حجم الهزيمة العربية والمصير الأسود للمشردين الفلسطينيين وللمدن الفلسطينية ، يافا والرملة واللد وحيفا وعكا وطبريا وصفد والمجدل ، وأن الجيوش العربية لم تتلق الأوامر للدفاع أو تقديم المساعدة العسكرية للمقاتلين الفلسطينيين ، وأنها ممنوعة من دخول المناطق التي خصصت للدولة العبرية حسب قرار التقسيم ، والمؤسف أن الباحثين العرب مقصرون في كشف الحقائق المذهلة والمؤلمة في التاريخ الفلسطيني ، وما يكشفه مؤرخون وباحثين يهود أمثال إيلان بابه وهيلل كوهن وغيرهم أكثر صدقا وأقرب للحقيقة من كل الكتابات التهريجية العربية .. وتشكل إدانة للحركة الصهيونية أفضل من كل الحقائق العربية  .

لو تصرفت الناصرة بناء على أوامر المفتي الحاج أمين الحسيني ، الذي غادر فلسطين منذ عام 1937 واستقر في القاهرة ،  لكان سكان الناصرة وقراها  مبعثرون في المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان والأردن ... ولبقيت فلسطين بلا نواطير الوطن المتمسكين بتراب وطنهم ، والصامدين ضد العنف والإضطهاد والإرهاب ومحاولات طمس هويتهم وتراثهم ولغتهم.

كل الدلائل تشير إلى أن قرار الاستسلام ، والوصول إلى وثيقة رسمية لشروط الاستسلام  تضمن حقوقا أولية وتوفر الحق بالبقاء في الوطن ، التي قام فيها يوسف الفاهوم ، أنقذت  الوجود الفلسطيني داخل الوطن ، وتحول العرب في داخل إسرائيل الى قوة فلسطينية تقلق الحركة الصهيونية وتقف حجر عثرة في وجه مشاريعها لجعل الدولة العبرية وقفا على اليهود فقط.

لا شك لدي أن قرار التوقيع على الاستسلام  كان الخيار الأفضل  وبعيد الرؤية .

وما زلت حتى اليوم أتساءل عن غياب اسم هذا القائد العَلَم يوسف محمد الفاهوم، من إحداثيات الناصرة، وعدم جعله اسماً مرادفاً لاسم الناصرة في وعي الأجيال الجديدة التي تكاد تجهل المصير الأسود الذي كان ينتظر هذه المدينة وأهلها، لولا القرار الحكيم والشجاع لرئيس بلديتها في عام النكبة، بأن يمنع احتلال الناصرة عسكرياً بالقوة، حتى يمنع مصيراً مشابهاً لمصير العرب في حيفا ومصير أكثر من 500 بلدة عربية هدمت وهجرت وارتكبت فيها المجازر الرهيبة.

كان قراره عكس كل توقعات القيادات "الوطنية" التي تمثلت بمفتي فلسطين الغائب في القاهرة، آمناً على نفسه، ومكتفياً بإصدار التوجيهات التي لا علاقة لها بواقع الشعب الفلسطيني. لذا ليس بالصدفة، وهذا اعرفه من ذكريات كبار السن في عائلتنا، أن يوسف الفاهوم كان معارضاً ومنتقداً لسياسات الحاج امين .

صحيح إنني لست مؤرخاً، ولكني ابن لهذه المدينة، التي أنقذتها حكمة يوسف الفاهوم بقراره الصعب، التفاوض مع المحتل اليهودي على التسليم والحفاظ على حقوق أهل الناصرة، وعدم تهجيرهم، كما كانت تصل الأخبار المرعبة من سائر أنحاء فلسطين .

أعود بخيالي إلى الوراء... وارى مصير الناصرة. مثل مصير جارتها صفورية من الشمال ومصير جارتها المجيدل من الجنوب ومثل مصير حيفا وطبريا وصفد وعكا ويافا . أن مقاتلي صفورية ومقاتلي المجيدل أبلوا بلاء بطولياً. ويبقى السؤال هل كانت قوة عربية قادرة على حماية بطولات شعب فلسطين في مقاومة عدو مدجج بالسلاح استطاع (رغم انه ليس دولة)...أن يجند مقاتلين أكثر من كل الجيوش العربية وان يمتلك سلاحاً جوياً أفضل من طائرات الاستعراض العربية؟!

ونعرف أكثر من ذلك، أن الجيوش العربية التي قاتلت في فلسطين، لم تدخل المناطق ،التي أُقرت للدولة اليهودية ، حسب قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود.

هناك قصص كثيرة سمعتها من المسنين في عائلتي عن "ماكو أوامر" حتى لإنقاذ مقاتلين صامدين ، كما حدث في الفولة (العفولة ) وكان الجيش العراقي قرب جنين .. وكان رد القائد العراقي على طلب النجدة من مقاتلي الفولة البواسل " ماكو أوامر " . أي أن الجيوش العربية جاءت للاستعراض  وعمليا " ماكو أوامر" تعني الموت للمقاتلين الفلسطينيين من جهة  وتنفيذ قرار التقسيم من جهة أخرى .والغريب أن دولا عربية سلمت لليهود خلال "الحرب"(!!) وبعد الحرب مناطق شاسعة من الأرض الفلسطينية، حتى التي خصصت للدولة العربية حسب قرار التقسيم .

أذن التوقيع على استسلام الناصرة كان إنقاذاً لها ولأهلها،بدونه كانت الناصرة اليوم نسخة مكررة عن طبريا وصفد مثلا وليس حصرا ... مدينة يهودية مع كنائس مسيحية يديرها بعض الكهنة، حتى ليس من الكهنة العرب ، وجوامع مهدمة تبكي أهلها.

وقد استطاع يوسف الفاهوم ، أن يحصل على اتفاق استسلام يشمل بنودا تحمي أهل الناصرة وأملاكهم ، والأماكن المقدسة في المدينة وأن يعامل سكان الناصرة بمساواة كاملة .جاء في نص الاتفاق : " يتعهد القائد العسكري حاييم لاسكوف ، بصفته ممثلا لحكومة إسرائيل المؤقتة ،أن يحمي الأماكن المقدسة ، الكنائس ، الأديرة وسائر الأماكن الدينية المسيحية لمدينة الناصرة ومحيطها" وبندا هاما آخر جاء فيه : " ان حكومة إسرائيل ، الممثلة بالقائد العسكري ، تعترف بحق مواطني الناصرة بالمساواة في الحقوق المدنية مع كل مواطني إسرائيل ، دون فرق في الدين أو الجنس أو اللغة ". وكان بندا يشترط أن يواصل رئيس البلدية يوسف الفاهوم إدارة الشؤون البلدية لصالح السكان المدنيين  في الناصرة .وقد استطاع منع التسيب العسكري داخل الناصرة ، ومنع الإعتداء على حرمات البيوت للتفتيش عن أسلحة مثلا إلا بوجود ممثل لرئيس البلدية .

قد يبدو ما طرحته استسلاما ... وهو موقف صعب بكل المقاييس ، ولكن الحقيقة المرة أن الناصرة وقراها ( كما هي الحال في سائر فلسطين )، تركت فريسة للأقوى دون أن يكون هناك الا خيار آخر رهيب : التشريد أو الموت  !!

 

 

* نبيل عودة – كاتب ، ناقد وإعلامي فلسطيني – الناصرة

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.