جائزة نوبل موسم عربي للحسـرة والاحتجاج والهجاء أسماء عربية جديدة تظهر في شائعات ترشيح جائزة نوبل للآداب للعام 2013، غير أن 'بورصة' الكاتب العربيّ في 'سوق' نوبل تعيش أزمة. المركزية الغربية وراء تهميش الأطراف الثقافية

 

أسماء عربية جديدة تظهر في شائعات ترشيح جائزة نوبل للآداب للعام 2013، غير أن 'بورصة' الكاتب العربيّ في 'سوق' نوبل تعيش أزمة.

 

المركزية الغربية وراء تهميش الأطراف الثقافية

ما من شكّ في أنّ فترة إعلان جوائز نوبل تُصاحب دوما بأسئلة عربية ينصبُّ بعضها على حيادية التتويج بها، وينصبّ بعضُها الآخر على قيمة الأسماء المُرشّحة لها. غير أنّ من الأسئلة ما يسعى إلى تبيّن ضعف المنجز الفكريّ العربيّ، وأسباب جهله من قبل الآخرين. وعلى حبل هذه الأسئلة، تتجلّى لنا حال المشهد الإبداعي العربيّ وصورتها أنّ "بورصة" الكاتب العربيّ في "سوق" نوبل تعيش أزمتيْن: أزمة في حال التتويج، واخرى في حال عدم التتويج. حيث لا نعدم وجود كتابات تغمز من قناة بعض مبدعينا الذين يترشّحون لنوبل ويخرجون منها بلا "حمص"، وتزيد من حجم غُبنهم، وهناك كتابات تلاحق الفائز بنوبل وتحفر في تفاصيله باحثة فيها عن جُزَيْئةٍ يبنون منها قُبّة التجريح في شخصه وفي انتماءاته وحتى في إبداعاته على غرار ما حدث مع محفوظ.

وبالنظر إلى كلّ هذا، ولأن الأرجح أن نشهد في هذا اليوم الإعلان عن أسماء الفائزين بجائزة نوبل للآداب للعام 2013، وما يصاحب ذلك من جدل وشائعات وتعظيمات وتفخيمات وغمز ولمز وطرطشات كلام، يصيب مرة ويخيب مرات، سعت العرب إلى تقصي أراء مجموعة من الكتاب العرب في جائزة نوبل للآداب من حيث قيمتُها وشروطُ إسنادها، وما يصاحب ذلك من هَنات فكرية قد لا تكون أحيانا هينات. ويبقى موسم نوبل موسما عالميا للإثارة وعربيا للخيبة بعد الاستثارة.

 

 

أنا أحب موريكامي

 

كما في كل عام يتصاعد اللغط حول جوائز نوبل في حقل الأدب. وتبدو الصحف الأجنبية منجرفة للمفاضلة بين هاروكي كوراكامي الروائي الياباني وغيره من الأسماء الإبداعية اللامعة المرشحة منذ زمن بعيد.

 

ولكن، هل لنوبل أهمية في حياتنا؟ وهل للجوائز معنى لدينا يختلف عما نجده في أنحاء أخرى من العالم ؟

 

على الأقل يبدو الوضع عندنا وكأن كل جائزة مرتبطة بلمسة من التقديس لحائزها. فهي تعتبر قدراً منزلاً، وكأنها أول التقييمات وآخرها. ولن نخوض في فوائد التسابق على إدراج البعض لأسمائهم في جائزة نوبل سواء كان الأمر حقيقياً ويستأهل الترشيح، أو عبر الوهم الافتراضي المسبق. كل ما نعرفه هو أن نوبل وغيرها ليست إلا جائزة بين الجوائز، وهذا يعني جملة من الاعتبارات المعروفة والتي لا تتقيد بمدى إبداعية صاحبها وحده، ولا بكونه يبز أقرانه من المبدعين.

 

جائزة نوبل مؤشرا على التقدم العلمي

 

بغض النظر عما يقوله العرب عن جائزة نوبل في فروعها المختلفة، تظل مؤشرا على التمايز بين الأمم والشعوب والدول، من حيث علاقتها بالبحث العلمي، وتوفير أسبابه ومستلزماته.

 

ففي الوقت الذي نجد جامعات الدول المتقدمة تحظى بالمراتب العليا قياسا إلى الجامعات العربية، وتتطور مختبراتها وتواصل الأجيال المجهودات السابقة، ويقدم لها الدعم المالي الملائم، نجد الجامعات العربية مبنية على الارتجال ومؤسسة على المقاربة الأمنية، ولا تهتم بالبحث العلمي في أي مجال.

 

إن جامعاتنا، وقد صارت تبرّر تطورها بسوق الشغل تبتعد أكثر عن البحث العلمي. عندما نصبح نؤمن بالبحث العلمي يمكننا الإسهام في العصر، ويمكن لعلمائنا التنافس على هذه الجائزة الهامة.

 

ومن الغريب انكباب المثقفين العرب على ترشيحاتها وكأنها نهاية العالم أو بدايته، لا فرق ! بالنسبة إلي وإلى كثيرين غيري فإن محمود درويش هو الذي استحقها بجدارة ولم ينلها لأسباب نعرفها جميعاً.

 

لقد تجاهل الغرب القضية الفلسطينية ولم يكن هنالك متسع بين جوائزه الكبرى مثل نوبل لمحمود درويش. فهو الذي فتح آفاق القضية إبداعياً وجعل منها فرعاً متجذراً في الهوية العالمية.

 

وليس فقط بسبب عظمة شعره وحدها، وإنما بسبب تكامل مواقفه وحياته ونضاله مع شعبه والتي أنتجت تطويراً ملموساً في التصور الشعري للهوية الفلسطينية والعربية المقاومة. لقد حول محمود درويش الأدب من الكتابة الفكرية والذهنية إلى موقف وحياة يتكاملان في شرطيهما الأساسيين.

 

وما أسعد الجوائز الآن بشعراء يعرفون الشعر وحده، ويغضون النظر عن دور الغرب في هدم وإبادة وتشريد شعوب المنطقة العربية. بالنسبة إلي، كل كاتب حقيقي يستحق نوبل. لكن نوبل لا تهتم بما نظنه نحن. لذلك ما أسعدني لو فاز هاروكي موراكامي، ففي رواياته هجاء كبير لكل أنواع الاستعمار.

 

 

الهوس العربي بجائزة نوبل

 

 

لن أنجر إلى الإشارة نحو نوبل الديناميت ونوبل الجائزة، فتلك إشارة مطروقة بكثرة ولا أدري ما القصد من إثارتها الدائمة وكأنما هي سر يكشف للتو.

 

سأحاول أن أقرأ الجائزة من زاويتي العربية، بل ومن مجالي الأدبي، فهاهي حولية تعود لتثير الغبار ذاته كل عام، سنقرأ المزيد من الأسى، نظريات المؤامرة، والكثير من الشعور بالدونية.. وستعقد المقارنات بين آداب الشعوب التي حصدت الجائزة وبين الأدب العربي.

 

نريد أن نقرأ في أوطاننا

 

قبل أن يحصل المؤلف نجيب محفوظ على نوبل بشهر تقريباً، كنت أجلس معه في كازينو قصر النيل، وكانت إشاعة حصوله على الجائزة تنتشر، وحين أخبرته بها، نظر في وجهي وقال: "يا كفراوي نوبل إيه نريد أن نُقرأ في أوطاننا ويعرفنا الناس في بلادنا أفضل من أي نوبل".

 

يصاحب الإعلان عن نوبل كل عام صرعة من سيأخذها هذا العام من الكتاب العرب، أعرف أنه يوجد على اللائحة أدونيس والكاتبة الجزائرية آسيا جبار، وهما موجودان بترشيح جهات عالمية، إذن هما أحق الناس في الحصول عليها، الساحة العربية تزخر بالكتاب الجيدين أصحاب المشاريع التي تستحق هذه الجائزة، وأكثر منها، ومنهم على سبيل المثال أدوار خراط، وسعدي يوسف وغيرهما من الكتاب العرب الأحياء.

 

بالنسبة إلى الكاتب الجيد ليست الجوائز هدفا في ذاتها، بل الهدف هو إنتاج كتابة جيدة وهي أفضل لصاحبها ألف مرة من أية جائزة.

 

وسيتم تدبيج المقالات في مديح اللغة العربية وكأنها تأبين لميت قبيل دفنه، ولن يتورع البعض من توليف الشواهد "الدامغة" على تسييس الجائزة وانحيازها للثقافة المهيمنة ألا وهي الثقافة الغربية.. سألزم البيت العربي، وأغلق بابه ونوافذه قليلا، لأتأمل ما يلي: نطالب جائزة نوبل بالالتفات إلى الأدب العربي، ونحن نعرف حق المعرفة، مكانة المثقف العربي في بلده، وصناعة الكتاب، وكيف ينتقل الكتاب بين الحدود العربية العربية، وكم نسخة تطبعها الكتب القيمة، وقيمة المؤلف والأديب حيا في وطنه الأم، ومهنة الأدب كحرفة تكفل المكانة والكرامة لحاملها، وهل يعتاش الكاتب من دخل إصداراته، وكيف تتعامل الحكومات العربية مع مبدعيها وحقوقهم، ثم هل لدينا جائزة عربية، يعتد بها، ثم القراءة.. القراءة يا "أمة إقرأ".. حينها سأفتح باب البيت ونوافذه، وأسرد على الجائزة مطالبي الجمة!

 

في رأيي أن المستحق العربي الأول لجائزة نوبل للآداب، هذا العام، هو "الأديب العربي" الذي عبر عن كل ما يعيشه من بؤس، وغياب للحريات، وعسف الأنظمة وطغيان تحريم الفنون والتجويع، والترهيب، والتصفية بكل مشتقاتها، في كل لحظة من حياته في وطنه، ومع هذا نجده يواصل الكتابة الإبداعية، ويقاوم هذا التصحر الفاجر. لهذه الأسباب وحتى تزول، لا أرى أمامي إلا أن أرشح "الأديب العربي" لجائزة نوبل للآداب.

 

نوبل الحلم الأبدي

 

أعتقد أن الحلم بالفوز بجائزة نوبل للآداب، من الأحلام المشروعة التي من الطبيعي أن تراود أي كاتب احترف الكتابة ..فمن منا لا يتمنى أن يقف على خط متواز مع دوريس ليسنج، وهيرتا مولر، ويوسا وغيرهم؟

 

جائزة نوبل في مطلقها تعتبر تتويجا لرحلة الكتابة، واعترافا كونيا بجدارة الكلمة التي كتبها كاتب ما، فاستحقت أن تخلد ويخلد كاتبها معها. أما السعي بطريقة ما للفوز بها فهو نوع من التسول.

 

هذا مع ملاحظة أن هناك من يسعى للفت انتباه الصحافة والنقاد إليه بالغريب من الكتابة اعتقادا أن هذا كفيل بلفت انتباه لجنة الجائزة بالتالي. وهذا الأمر بالذات يتكرر كل عام مع بعض كتاب العرب الذين يتضورون نهما للفوز كل عام، وعندما تعلن الجوائز ولا يجدون اسماءهم بين أسماء الفائزين تبدأ رحلة التشكيك في مصداقية الجائزة.

 

وهذا السلوك لا يقتصر على جائزة نوبل وحدها، فهناك من يهاجم جائزة ما سواء محلية أو عربية، حتى إذا فاز بها أصبح من أشد المدافعين عنها وعن مصداقيتها.. هكذا يروق لي في كل موسم لإعلان نتيجة جائزة ما، مراجعة مواقف المتشوقين لها، سواء عند فوزهم أو عند تجاوز الجائزة لهم، لأخرج في النهاية أن هناك من إذا أُعطوا رضوا!

 

 

حمى"جائزة نوبل" تجتاح العالم العربي مجددا

 

 

في الوقت الذي أسس فيه العالم ألفرد نوبل (1833/ 1896) جائزة نوبل للآداب والفيزياء والطب والكيمياء والسلام والعلوم الاقتصادية، كانت نسبة 80 بالمئة من المعمورة تحت الاحتلال الأوروبي الغربي كما أوضح المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه "الإمبريالية والثقافة".

 

لماذا استبعد درويش عن هذه الجائزة؟

 

الجوائز تُفسد الشعر، وجائزة نوبل هي جائزة سياسية أكثر منها أدبية، قليل من حاز الجائزة دون أن يكون له موقف سياسي من قضية أو عرق ما. الجائزة متحيزة ضد العرب، بدليل أن عربيّاً واحداً فقط حاز عليها طوال هذه السنوات. لا يعقل أن طوال تلك السنين لم يخرج شاعر أو روائي عربي يستحق نوبل عدا نجيب محفوظ، خاصة مع كثرة الحديث عن أنها لم تعطً إلا لعربي انسلخ عن هويَّته وقضاياه. برأيي الشخصي فإن نجيب محفوظ هو كاتب عظيم لكنه مُنح الجائزة مكافأة لمصر على كامب ديفيد. وهذه النقطة بالذات تفتح الباب لكل أديب عربي يطمح إلى الوصول إلى العالميَّة وهو يعلم الثَّمن مُسبقاً.

 

السؤال الكبير: لماذا تم استبعاد محمود درويش عن هذه الجائزة؟ ولماذا يتم تجاهل أدونيس كل عام، مع أنه سيطاله النقد في كلتا الحالتين، فإن نالها سيقال لأنه حاول في مواقفه إرضاء الغرب، وإن لم ينلها فسيثير شماتة البعض الذين سيعتبرون كل محاولاته ذهبت هباء منثورا، وكأن في ذلك عقابا لكل من تسول له نفسه الانسلاخ عن هويته وماضيه. أعتقد أن أدونيس يستحقها بالرغم من كل مواقفه السياسية التي لا تعجبني.

 

ويستحقّها أيضا الكثير، على سبيل المثال، الروائي الكبير عبد الرحمن منيف. لكن يبدو أن الثمن الذي يجب على الأديب العربي أن يدفعه هو ثمن باهظ. عزاؤنا أن الكثير من الشعراء والأدباء العظام لم يحصلوا عليها وبقيت أسماؤهم بعد مماتهم تلمع حتى الآن.

 

التقيت ذات يوم بالشاعرة الأسبانية أيتانا ألبيرتي، إبنة الشاعر ألبيرتي رفائيل ألبيرتي، وقد أخبرتني أن والدها لم يحصل في حياته قط على جائزة إلا على جائزة واحدة كرّمته بها مدينته ولم تكن سوى زجاجة نبيذ.

 

منذ بداية تسليم هذه الجائزة عام 1901 لم يحصل أي عربي عليها في جميع الفروع العلمية والأدبية والفلسفية والاقتصادية المذكورة أعلاه حتى توج بجائزة نوبل للآداب الروائي المصري نجيب محفوظ عام 1988، كما توج بجائزة نوبل للسلام الرئيس المصري أنور السادات عرَاب ومهندس اتفاقيات كامب دافيد، ومن ثم توج بها العالم المصري الذي يحمل الجنسية الأميركية أحمد زويل في الكيمياء عام 1999، وأخيراً أسندت جائزة نوبل للسلام للناشطة السياسية والحقوقية اليمنية توكل كرمان سنة 2011.

 

تفيد الإحصائيات أن جائزة نوبل للفيزياء قد أسندت 94 مرَة إلى 162 فائزا، أما جائزة نوبل للكيمياء فقد أسندت 92 مرة إلى 132 فائزا في حين أسندت جائزة نوبل للفيزيولوجيا أو الطب 91 مرة إلى 172 فائزا أما جائزة نوبل للآداب فقد أسندت 93 مرة إلى 97 فائزاً. وهذا ما يجعلنا نستنتج أن حصة العرب في الحصول على جوائز نوبل في جميع التخصصات هزيلة.

 

من الواضح أن العرب ينتظرون بفارغ الصبر كل سنة هذه الجائزة باعتبارهم، كما يظنون، أعرق أمة في مجال الشعر وبذلك يديرون ظهورهم للفروع المعرفية العلمية الأخرى.

 

إن تخلف العرب في المجالات العلمية أمر واقع ومغموس في المرارة بسبب غياب البحث العلمي الذي يزدهر في إطار ما يدعوه العالم والمفكر «توماس س. كون» بالمتحد الاجتماعي والمعرفي والعلمي وفي مناخ الحرية.

 

وفضلا عن ذلك فإن جامعاتنا التي تعمل تحت سياط الأنظمة العربية لم تؤسس بها حتى الآن تقاليد ربط البحث الأكاديمي بالتنمية المشروطة بالإنجازات والاكتشافات والاختراعات العلمية نظريا وممارسة الأمر الذي جعل الكفاءات العلمية العربية تواجه أمرين، وكلاهما مرّ، وهما الزهد عن البحث العلمي أو الهجرة إلى الجامعات والمؤسسات العلمية الأجنبية.

 

أما عدم إسناد جائزة نوبل للآداب إلا إلى نجيب محفوظ فيمكن تفسيره بعاملين إثنين يتمثل أولهما في غياب إستراتيجية ترجمة عربية فعالة ومتطورة لأرقى نصوصهم الأدبية الإبداعية إلى اللغات العالمية والتعريف بها لدى القراء والدوائر الأدبية في العالم بشكل منهجي ووفق خطة حضارية محكمة ودائمة. أما العامل الثاني، فيتمثل في هيمنة العبء السياسي والأيديولوجي على معظم الإنتاج الأدبي العربي فضلا عن ندرة ابتكار أشكال ومضامين جديدة وفريدة من نوعها وأكثر حداثةَ.

 

ففي ميدان الفلسفة لايزال العرب المعاصرون مجرد شراح، أو مؤرخين، أو معلقين على التيارات والمذاهب الفلسفية الغربية بشكل خاص من اليونان إلى ميشال فوكو إذ ليس هناك فلسفة عربية معاصرة أسست حتى الآن منظورا فلسفيا عربيا مبتكرا. أما إذا جئنا إلى مجال الاقتصاد كفلسفة وكإجراءات فإن السائد في بلداننا العربية هو استيراد النماذج الجاهزة والنظريات دون تمحيص مثل الاقتصاد السياسي الاشتراكي أو الرأسمالي وموضة اقتصاد السوق.

 

هاروكي موريكامي يستحقها بجدارة

 

أرفض طرح السؤال تحت صيغة الهوس بالجائزة، يبقى كثيرون من كتابنا في الوطن العربي جديرين بالحصول على الجائزة، أما عن انطباعاتي عن الجائزة فهي حدث مهم وجلل ننتظره ليعلن للعالم عن كاتب كبير، ولا يمكن في رأيي هذا العام ألا يأخذها عربي دون انحياز. يستحق هذه الجائزة لهذا العام بجدارة الكاتب الياباني "هاروكي موريكامي".

 

 

المطلوب جائزة عربية

 

 

مشكلة نوبل مع الكتاب العرب أن الآلة الإعلامية الغربية نجحت في أن تقدم تلك الجائزة الكبيرة وتفرضها على العالم كله على اعتبار أن الحاصل عليها هو من أعظم الأدباء وبالطبع هذا غير صحيح بالمرة، إذا كان هناك أدباء كبار حصلوا على نوبل فإن نوبل الجائزة لم تعطهم الشهرة، ليست ثمة أزمة في عدم حصول العرب على نوبل، لأن هذا يرسخ هيمنة الآلة الإعلامية الغربية خصوصاً مع اختلافٍ في اللغة، ذلك إن اللغة عادةً ما تكون حائلا في حصول أدباء وكتاب عرب على نوبل ودوماً هي لمن يكتب بلغاتٍ أخرى.

 

في رأيي الرهان ليس في سطوة نوبل، ولكن الرهان أن نصنع جائزة عربية تعادل عالمية نوبل في المكانة والشهرة ونفرضها نحن العرب. ثمة بعض جوائز عربية حققت قدرا كبيرا من الذيوع مثل "بوكر" في نسختها العربية، ولا يمكن أن نغفل عن أن نوبل لها ميولها السياسية. وهذا واضح في كثير من فروع الجائزة، ومنها السلام التي حصل عليها "أوباما" ولا أعرف ماذا قدم الرجل للعالم وسلامه، ليحصل على هذه الجائزة، لكن في فروع الآداب أعتقد أن ثمة أسماء مرشحة لنيل هذه الجائزة منها "أدونيس"، و"آسيا جبار".

 

أعتقد جازما في أن لا أحد من أحياء العرب الآن يستحق جائزة نوبل، ربما استحقها توفيق الحكيم أو طه حسين أو يوسف إدريس كما استحقها بكل جدارة شيخنا نجيب محفوظ، وذلك ليس لضعف في المواهب ولكن لضعف في صناعة الكتاب وتأثير الكتاب في عالمنا العربي لذا لا أرشح أحدا من العرب بالفوز بها رغم أزلية وجود أدونيس في القائمة منذ كنت طالبا في الثانوي. ففي الغرب أقل رواية جيدة تطبع مئات الآلاف من النسخ في الوقت الذي يعتبر رقم ثلاثة آلاف نسخة إنجازا ملموسا خلال أعوام لأيّ كاتب مجيد ولا نخدع بحكاية الطبعات المتتالية فعدد قليل من الكتاب العرب الذين يوزعون جيدا وذلك لأمور تبعد كثيرا عن قيمة ما يكتبون. وأرى أن العرب ليسوا وحدهم من ينتظرها فهناك أيضا النساء حيث لم تفز بها سوى 12 سيدة من أصل مئة فائز وهناك الأفارقة والآسيويون وإن كانوا أفضل حظا منا، في حين يحتل الأوربيون والأميركيون شمالهم وجنوبهم نصيب الأسد من الفوز.

 

والجميع يهرول نحو نوبل لما تحمل من مجد وأيضا من أجل الثمانية ملايين كورون سويدي أي 925 ألف يورو قيمة الجائزة، ورغم أن الكتاب الذين يفوزون بجائزة نوبل يتمتعون بشيء من الشهرة، إلا أن عدداً منهم لا يكسب كثيراً من المال من جراء بيع كتبه فيما بعد.

 

مرشحون عرب مزمنون

 

ما من شك في أن أعناقا، لا بأس بأعدادها، تشرئب مع نهايات أكتوبر من كل عام، انتظارا لنتائج "نوبل". وإن كان التطلع إلى الجائزة حقا إنسانيا، فإن انتظارها على هذا النحو المخزي يكاد يكون ميزة عربية ننفرد بها عن بقية الأمم. فقد أصبح لدينا مرشحون مزمنون للجائزة.

 

وكل عام نقرأ عن ترتيب آسيا جبار وأدونيس وغيرهما أحيانا في ترتيبات القائمة، ولدينا قائمة من المنظرين من صنف الأدباء المحليين، ينتظرون وحدهم دخول أسمائهم بورصة التكهنات، لا أكثر من التكهنات. ربما كان السبب الرئيسي خلف هذه الظاهرة أن المركزية الأوروبية، في رأيي لازالت مهيمنة رغم كل ما قيل عن سقوط تلك الهيمنة، مع شيوع فكرة العولمة وتفتيت المراكز والاحتفاء بالثقافات الهامشية. وفي الوقت الذي توسعنا فيه في شرح هذه الأدبيات وأقنعنا أنفسنا بأن العالم ليس أكثر من قرية صغيرة، ازداد فيه عدد الجياع وتوسعت الهوة بين الشمال والجنوب، ومات آلاف البشر وهم يعبرون المحيطات متسللين إلى مراكز النور من الجنوب إلي الشمال.

 

الغرب الأوروبي لازال مهيمنا فكرا وواقعا ومن ثم فإن الهامش لازال يتطلع إليه، والتطلع إلى المتن أفقدنا الكثير مما كان يتوجب علينا أن نعيد النظر فيه.

 

وكثيرون لا يدركون أن تحسن أوضاعهم المعنوية والمالية بالحصول على جائزة رفيعة كنوبل، ليس من شأنه أن يرفع، بالضرورة، من وضع ثقافتهم في سلم الترقي الإنساني، إلا أننا مستمرون في التطلع، لكن المشكلة تظل على ما هي عليه.

 

جوائز المركز لازالت تتزايد رفعتها، أعداد من المنتظرين تتزايد، ثقافتنا المحلية تتراجع وتتصاغر، والمركز لا يكاد يرى أحدا من المتحلقين حوله. وهكذا تمضي الأمور.

 

ولا يهتم المبدعون العرب بالجائزة ولا يعيشون على وهم الفوز بها، يركزون فقط على ما يكتبون لأن هناك معايير أخرى تدخل فيها المواقف السياسية وتدخل فيها مافيا صناعة الكتاب حول العالم وتدخل فيها مراكز بحثية ويدخل فيها المنجز الكمي لكل كاتب وهل هو مترجم ومقروء في العالم أم يكتب بلغة أخرى مجهولة ولا يتجاوز وصول إنتاجه إلى أكثر من الشارع الذي يسكن فيه.

 

 

لا تهمني جنسية الفائز

 

 

نوبل.. فعل إنساني فارق، ننتظر نحن الأدباء مواعيد إعلان جائزة الأدب لنبتهج ونتيقن بأن الحياة تسير إلى الأفضل في عالم يسوده العنف، متغاضين عمن يروج لنظرية المؤامرة ومحاولة الانتقاص من نزاهة هذه الجائزة العظيمة.. ننتظر إعلان الفائزين في السلام والعلوم والبيئة….. بابتهاج هذه الحياة الرائعة، متناسين كمسلمين "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى".. موقنين من قول "كلنا لآدم وآدم من تراب" بفضل نوبل وشهرتها قرأ العالم أدبه الإنساني.. ونحن الناطقون بالعربية قرأنا عشرات الأعمال الأدبية والمترجمة إلى العربية وآخرها الذرة الرفيعة الحمراء للصيني "مويان" الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب سلسلة المركز القومي للترجمة.

 

وكم هي كثيرة الأعمال المترجمة إلى لغات العالم الحي والتي تنشر قيم التواصل والتعاون والحرية، يقرأ أدب نوبل مئات ملايين البشر في مجتمعات إنسانية متباعدة ومتنوعة في أصقاع الأرض. هي ليست كلمة إشادة بقدر ما هي كلمات لقارئ من جنوب شبه جزيرة العرب. يعشق الأدب، ويؤمن بعظمة الإنسان وبمستقبل حكمته. ويرى في المشاريع الإنسانية الكبيرة عظمته وقدرته على تجاوز أخطائه. وما ألفريد نوبل وقصة ثروته التي جُمعت من اختراعه.. ومحاولة التكفير عما تحصده تلك المادة من أرواح بتخصيص تلك الثروة أو جزءا كبيرا منها لهذه الجائزة الإنسانية السنوية إلا مثالا لنزعة الإنسان إلى المحبة والسلام. وها نحن نرى إقامة عشرات الجوائز في حقول علمية وأدبية في العالم.

 

وهذا أنا أنتظر بفارغ الصبر إعلان جائزة الأدب لهذا العام 2013 بعد أن تابعنا إعلانها في مجال العلوم (الطب) التي فاز بها ثلاثة من أميركا الشمالية. ثم أنتظر المطابع لكي نقتني ذلك العمل الفائز لفرادته وعالميته وما يمثله. ولا يهمني إن كان من أي قارة أو بلد، ولا ما يحدثه الإعلان من جدل ومن تباين في الآراء حول نزاهة نوبل، لإيماني بتفرد الدور الذي وصلت إليه ومقدار النزاهة التي تحاول الحفاظ عليه، بقدر ما يهمني استمرار هذه القيمة الإنسانية العظيمة.

 

 

الشاعر الذي يستحقها

 

عشية الأيام السابقة على إعلان حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل كانت الأغلبية من كتاب الستينيات، تبث شكواها الدائمة من أن كتابات نجيب محفوظ حجر عثرة تمنع وصول حداثتهم إلى الناس وإلى مكانها الملائم، ولكنهم عشية ليلة حصوله على الجائزة تحولوا عن كلامهم المذموم إلى كلامهم الممدوح، والذي استمر حتى الآن.

 

كان مديح الاعتبار ومديح الاعتذار معاً. المركزية الأوروبية مازالت تحكمنا، وأغلبنا لا يتعامل معها بشكل نقدي إلا إذا كانت لديه أسباب خاصة، هكذا كان موقف يوسف إدريس من نجيب ومن باب الرغبة الحارة أكاد أرجو أن تكون جائزة هذا العام للشعر وليست للراوية، ولأدونيس وليست لغيره، لأنه الأكثر أهميةً سواء في آدابنا العربية، أرقى الآداب كلها، ولأنه أيضا سيترك الأثر ذاته الذي تركه نجيب محفوظ على الأجيال التي حاولت أن تتنكر له، وسوف تراهم يكتبون مدائحهم وأيضاً سيكتبون مدائح الاعتبار، مدائح الاعتذار، فوز أدونيس بالجائزة سيتيح لنا كذلك أن نرى أكثر من يوسف إدريس جديد، والظرف السوري بتقلباته التي لا تنتهي، وبثورته الطويلة وقتلاها الأكثر عدداً، وبصمود شرفائه يوجب أن تكون الجائزة سورية لشاعر موقفه يعبر عن مواقف الأغلبية العربية الحائرة بين بدائل كلها سيئة، نظام مستبد شديد السوء، وبعض عصابات إسلامية شديدة السوء، وليبرالية أصبحت هي اليسار الجديد، وتكاد تكون هي الأخرى شديدة السوء، أما اليسار القديم فقد أصابه الكثير من الشلل وخرج من محاولة السوء والجودة.

 

أدونيس الحائر هو أدونيس الجدير بنوبل الجديدة، فإذا كانت له ستكون عربية مصرية، محفوظ منذ ربع قرن وسوريا بأدونيس الآن، كأنها تؤكد التلازم الأبدي بين البلدين، وإذا فاتته الجائزة فإن قدره لن ينقص، سيظل أدونيس هو أدونيس الحائر الجميل. سيظل الأكبر من كثيرين قد ربحوها وكثيرين سيربحونها، ربما الشاعر دون جائزة يكون أجمل كثيراً من شاعر الجوائز.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.