ملفات خاصة

اقتراب دور غزة بعد انهيار الأنظمة «الإخوانية»

*انقلاب حماس كان مشروعا مشتركا بين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإيران الخمينية وسوريا، وكان هدف هذه الأطراف الثلاثة انتزاع القرار الفلسطيني من يد محمود عباس *أصبحت غزة أول دولة «إخوانية» تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وشكل قيام هذه الدولة أول اختراق إيراني فعلي وحقيقي للوضع الفلسطيني

 

*انقلاب حماس  كان مشروعا مشتركا بين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإيران الخمينية وسوريا، وكان هدف هذه الأطراف الثلاثة انتزاع القرار الفلسطيني من يد محمود عباس

 *أصبحت غزة أول دولة «إخوانية» تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وشكل قيام هذه الدولة أول اختراق إيراني فعلي وحقيقي للوضع الفلسطيني

 

المفترض أن يصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، اليوم (الخميس)، 15 أغسطس (آب)، مراسيم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، لكن ما بات مؤكدا أن حركة حماس مستمرة في رفض إجراء هذه الانتخابات، ومستمرة بالتمسك بانقلابها العسكري ضد السلطة الوطنية وضد منظمة التحرير وحركة فتح الذي نفذته في 15 يونيو (حزيران) عام 2007، والذي بقيت تحاول ومنذ ذلك الحين نقله إلى الضفة الغربية، لكنها فشلت فشلا ذريعا، والأسباب هنا كثيرة ومتعددة.

 

والمعروف أن هذا الانقلاب الدموي، الذي تجاوز ببشاعته أسوأ الانقلابات العسكرية العربية، كان مشروعا مشتركا بين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإيران الخمينية وسوريا، وكان هدف هذه الأطراف الثلاثة انتزاع القرار الفلسطيني من يد محمود عباس (أبو مازن)، ومن يد حركة فتح ومنظمة التحرير، ووضع مصير عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في يد «فسطاط الممانعة والمقاومة»، الذي ساد اعتقاد لدى أطرافه، ومن بينهم حركة حماس، أنه سيكون الآمر الناهي في الشرق الأوسط كله.

 

بعد هذا الانقلاب، الذي نفذته حماس ضد الشرعية الفلسطينية التي رسختها انتخابات أجريت تحت ضغط الولايات المتحدة، وشهدت الأمم المتحدة ودول كثيرة بأنها كانت نزيهة وديمقراطية وبعيدة عن أي تلاعب، أصبحت غزة أول دولة «إخوانية» تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وشكل قيام هذه الدولة أول اختراق إيراني فعلي وحقيقي للوضع الفلسطيني، كما شكل انتصارا للنظام السوري، الذي كان أكثر ما يرعبه، ولا يزال، أن يلتحق الفلسطينيون بعملية السلام، وأن يبقى هو منفردا تحت رحمة المعادلة الشرق أوسطية الجديدة التي ستترتب حتما على مثل هذه العملية، إن جرى إنجازها بالفعل.

 

لقد كان بروز حماس في الساحة الفلسطينية في نهايات عام 1987، بعد نحو 22 عاما من انطلاق ثورة الشعب الفلسطيني المعاصرة، التي أطلقتها حركة فتح في الفاتح من عام 1965، بعملية «عيلبون» الشهيرة، مشروعا «إخوانيا» شاركت فيه إيران الخمينية، والأهداف هنا لا علاقة لها بفلسطين ولا بتحرير فلسطين، وإنما بالصراع على المعادلة الشرق أوسطية، وعلى من هو صاحب القرار في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة، وهكذا، فإن اسم هذه الحركة، أي «حركة المقاومة الإسلامية»، الذي خلا من أي ذكر لفلسطين، يدل على الغرض الذي شكلت من أجله، ويؤكد أنها بالفعل مشروع سياسي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي يعد أن مهمته عالمية وأممية، وأنه لا علاقة له بالقضايا «الوطنية»، إلا ما يتعلق منها بهذا المشروع الآنف الذكر.

 

ولعل ما يؤكد هذا، من دون أي عناء ومن دون أي جهد، أنه ثبت أن الهدف الرئيس لهذه الحركة، التي جاءت متأخرة جدا إلى ساحة الثورة الفلسطينية، كان تدمير منظمة التحرير، والدليل على هذا أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) بقي يطارد خالد مشعل وإخوانه منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى لحظة وفاته في عام 2004، لإلحاق حركتهم بمسيرة الشعب الفلسطيني، وليكون قرارها فلسطينيا، وليس قرار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ولا قرار إيران، ولا قرار النظام السوري أيضا الذي حاول بدوره القضاء على هذه المنظمة، خاصة بعد إخراجها من بيروت وإخراج قواتها وقيادتها من لبنان، بعد الغزو الإسرائيلي الشهير للأراضي اللبنانية في يونيو (حزيران) عام 1982.

رفض قادة حماس كل الإغراءات التي عرضها (أبو عمار) عليهم لانضواء حركتهم

في إطار منظمة التحرير التي انتزعت، كما هو معروف، اعترافا عربيا في قمة

الرباط في عام 1974 بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،

التي أصبحت لاحقا ممثلة في الأمم المتحدة، ولقد ثبت أن مثل هذا القرار ليس

 في يد حركة المقاومة الإسلامية، بل في يد التنظيم العالمي للإخوان المسلمين

لقد رفض قادة حماس كل الإغراءات التي عرضها (أبو عمار) عليهم لانضواء حركتهم في إطار منظمة التحرير التي انتزعت، كما هو معروف، اعترافا عربيا في قمة الرباط في عام 1974 بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، التي أصبحت لاحقا ممثلة في الأمم المتحدة، ولقد ثبت أن مثل هذا القرار ليس في يد حركة المقاومة الإسلامية، بل في يد التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وفي يد المرشد العام لهذا التنظيم، ولاحقا بعد بدايات ثمانينات القرن الماضي في يد إيران، وأيضا في يد النظام السوري، وكل هذا باسم كذبة المقاومة والممانعة التي غدا حتى مجرد ذكرها مثيرا للضحك والاستهزاء.

 

كان على خالد مشعل و«إخوانه»، لو أنهم بالأساس قد شكلوا «حماس» كحركة فلسطينية قرارها في يدها ولا هَم لها إلا الهَم الفلسطيني، أن يأخذوا العبر من تجربة ثورة الشعب الفلسطيني، حيث بقيت حركة فتح تنأى بنفسها، بقدر الإمكان، عن الصراعات العربية والإقليمية، وحيث كانت هناك التجارب الفاشلة لتنظيمات الأنظمة العربية كمنظمة «الصاعقة» السورية و«جبهة التحرير العربية» العراقية و«الجبهة الشعبية - القيادة العامة» السورية أيضا، لكن هؤلاء (أي مشعل و«إخوانه») لم يفعلوا هذا، بل عدّوا أن الدولة التي أقاموها في غزة بعد انقلابهم الدموي على السلطة الوطنية في عام 2007 هي أول دولة «إخوانية»، وحقيقة أنها كانت ولا تزال دولة «إخوانية»، وبالتالي فإن كل ما أصاب الأنظمة «الإخوانية»؛ إن في مصر وإن في تونس، سوف يصيبها هي أيضا لا محالة.

 

عندما تسقط كل هذه القلاع التي بناها الإخوان المسلمون، خاصة في مصر، فإنه من غير الممكن أن تصمد قلعتهم في غزة، حتى وإن عادت حركة حماس عودة الابن الضال، إلى حضن إيران، وحتى وإن ضاعفت وتيرة القمع الذي بقيت تمارسه على الشعب الفلسطيني في «القطاع» المحاصر؛ فهي أولا قد خسرت هذا الشعب نتيجة تصرفاتها وممارساتها الاستحواذية والقمعية، وهي ثانيا بانخراطها في معركة الدفاع عن «شرعية» محمد مرسي وبعلاقاتها المشبوهة بالتنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، قد خسرت مصر، التي بحكم عامل الجغرافيا والجوار وبحكم عوامل أخرى كثيرة، من غير الممكن من دون دعمها ومساندتها أن تستمر دولة ولا شبه دولة، لا إسلامية ولا علمانية، في هذه البقعة المحاصرة التي لا منفذ لها إلا عبر الأراضي والمياه المصرية.

 

ثم إنه من سابع المستحيلات أن تستطيع دولة حركة حماس الصمود، حتى وإن هي ذهبت هرولة إلى طهران وألقت بنفسها بين يدي علي خامنئي وسلمت قرارها لقائد «فيلق القدس» الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ما دامت تجربة الإسلام السياسي قد انتهت إلى كل هذا الانهيار، وما دام هناك صحوة عربية مبكرة مضادة لـ«الإخوان المسلمين»، وما دام هؤلاء قد أثبتوا أنهم لا يصلحون للحكم، وأنهم يتقنون الهدم ولا يتقنون البناء، وأيضا ما داموا أثبتوا خلال فترة حكمهم القصيرة؛ إن في مصر وإن في تونس وإن في غزة، أنهم تنظيم شمولي واحتكاري، وأكثر استبدادية من حزب البعث الذي حكم في العراق، والذي لا يزال يحكم في بعض سوريا، وأنهم يتبعون وليا فقيها له السمع والطاعة وتقبيل اليدين، هو المرشد الأعلى الذي لا قرار إلا قراره.

 

ولهذا، فإن دولة حركة حماس، التي هي أول تجربة للإسلام السياسي في الحكم، تبدو الآن كمن ينتظر الإعدام بالقرب من منصة حبل المشنقة؛ فهي ارتكبت الخطأ القاتل عندما انحازت، وعلنا، وعلى رؤوس الأشهاد، إلى «الإخوان» المصريين في حربهم المسعورة ضد الشعب المصري، وعندما، كما يقال، قدمت لهؤلاء الدعم «اللوجيستي» الذي يحتاجونه، وعندما حولت قطاع غزة إلى ملاذ للإخوانيين المطلوبين للعدالة المصرية، وعندما، وكما يقال أيضا، بادرت إلى احتضان بعض المجموعات الإرهابية في سيناء ومدها بكل ما تحتاجه لمواجهة هجمات مغاوير الجيش المصري.

 

لا يمكن أن تستطيع دولة حماس، التي هي أول أنظمة الإسلام السياسي، الاستمرار بهذا الصمود المتأرجح، فالمعلومات تتحدث عن أن غزة تعيش حالة غليان شعبي غير مسبوقة، والمعلومات تتحدث أيضا عن أن ما جرى في مصر وفي تونس سوف يجري قريبا في الدولة الغزية، فالأوضاع هناك لم تعد تطاق، وهي بالتأكيد ستزداد تدهورا سيصل حتما إلى الانفجار إذا حسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الأمور، واتخذ قرار إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الضفة و«القطاع» في أقرب فرصة ممكنة، وخلال الشهور المتبقية من هذا العام (2013).

 

صالح  القلاب وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة اردني سابق والمقال عن الشرق الأوسط اللندنية

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.