محليات
youtube

نير حسون يكشف علاقة الانتداب البريطاني بالضغط على الكنيسة الارثوذكسية لبيع عقاراتها



كتب الصحافي نير حسون يوم امس، مقالًا في صحيفة هآرتس، تطرق خلاله الى علاقة الانتداب البريطاني بالضغط على الكنيسة الارثوكسية، لبيع عقاراتها للحركة الصهيونية، وجاء في المقال:




"الادعاء بأن 99 سنة هي فترة طويلة، ويجب عدم القلق مما سيحدث في حينه، ليس ادعاء صحيحا. علينا أن ننظر بعيدا"، كتب في كانون الثاني 1936 الصحافي اسرائيل شوخمان في صحيفة "دافار" الاسرائيلية. في حينه، قبل نحو 80 سنة، حذر شوخمان من صفقة التأجير التي وقعت بين شركة يهودية وبين دير راتسبون في حي رحافيا في القدس. مكنت الصفقة من اقامة عدد من المباني "رأس رحافيا" كانت الاولى من بين صفقات التأجير مع الكنيسة. مثلما هو الوضع في حالات اخرى كان الامر يتعلق بصفقة محدودة زمنيا – 99 سنة. بعد ذلك ترجع الارض الى أصحابها، الدير. "من خلال السعي الى أرباح سهلة تسبب هؤلاء الاشخاص بمشكلة عامة جدية"، كتب شوخمان، "يجب أن يوضح لهؤلاء الاشخاص الذين يأتون للتفاخر امام الجمهور باعمالهم هذه، ما هي القيمة الحقيقية لهذا العمل وما هي الأخطار المترتبة عليه بالنسبة للجمهور". 


الـ 99 سنة التي حددت لرحافيا في تلك الصفقة لم تنته بعد، هذا سيحدث في العام 2035، لكن من الآن يمكن أن نقول إن شوخمان تنبأ جيدا بأزمة "اراضي الكنيسة"، في العقود التي مرت منذ أن باعت الكنائس – في الاساس الكنيسة اليونانية الارثوذكسية – اراضيها في القدس لشركات خاصة. السكان، الذين يعيشون في هذه الاماكن وهم أكثر من الف عائلة، يقفون الآن امام معضلة: أن يبيعوا بيوتهم بأسعار منخفضة جدا عن اسعار بيوت مشابهة لم تبن على اراضي الكنيسة أو أن يسكنوا فيها الى حين انتهاء العقد، وعندها يتركونها بدون أي مقابل. ما ظهر في يوم ما وكأنه صفقة لملكية على شقة الى الأبد يتبين الآن لسكان أحياء وسط القدس كصفقة لها تاريخ انتهاء، صفقة تهز حياتهم. في اعقاب احتجاج السكان والسياسيين شكلت وزيرة العدل، اييلت شكيد، لجنة لفحص الموضوع، برئاسة نائب المستشار القانوني للحكومة، ايرز كامنتس. طرح على اللجنة ايضا مسألة لماذا وافقت منذ البداية دولة اسرائيل و"الكيرن كييمت" على التوقيع على اتفاقات تأجير كهذه التي كان من الواضح أنها ستعقد وضع العاصمة، وهل لم يكن بالامكان شراء الارض من الكنيسة. مؤخرا عثر د. ميخائيل تسور، من لجنة انقاذ مستأجري الشقق في اسرائيل – وهي لجنة السكان المستأجرين على اراضي الكنيسة – على بروتوكول لجلسة المجلس التنفيذي لـ"الكيرن كييمت" لاسرائيل في العام 1951 يتعلق بالصفقة الكبرى التي وقعت مع الكنيسة اليونانية – تأجير مئات الدونمات في رحافيا، الطالبية، ونيوت. يسلط المحضر الضوء على هذه الصفقة وعلى مسألة هل أن الموقعين على الاتفاق فهموا تماما تداعياته على السكان وعلى القدس بعد عشرات السنين من ذلك الوقت؟


منذ بداية القرن العشرين فان قصة ازدهار القدس اليهودية الغربية مرتبط بقصة ضعف الكنيسة اليونانية في المدينة. فعليا لولا ضعف الكنيسة فمن شبه المؤكد أن القدس الغربية لم تكن لتنمو بالسرعة التي نمت بها. الخلفية وراء ضعفها هي احداث الحرب العالمية الاولى والثورة في روسيا التي في أعقابها حل بالكنيسة اليونانية، الكنيسة الكبرى والاقوى في القدس حتى ذلك الحين، ازمة اقتصادية شديدة. حتى الثورة كان الحجاج الروس والتبرعات من روسيا هي مصدر الدخل الاهم للكنيسة. كان لها مكانة خاصة في الامبراطورية العثمانية، ورؤساؤها كانوا مقربين جدا من نظام الحكم. ولكن الثورة البلشفية وبعدها احتلال القدس من قبل البريطانيين اصابت بالضرر الشديد البطريركية التي وصلت الى شفا الافلاس. من أجل منع ذلك ضغطت حكومة الانتداب على الكنيسة لبيع اراضيها، ولحسن حظ الصهاينة فان البريطانيين صمموا على أن يتم البيع لكتل كبيرة وثمينة. الحركة الصهيونية كانت هي الجسم الوحيد الذي كان يمكنه تجنيد موارد لشراء تلك الاراضي الواسعة. هكذا، في العام 1921، باعت الكنيسة المناطق التي سيقام عليها مركز القدس – مثلث الشوارع المشهور (يافا، بن يهودا، والملك جورج) والاحياء المحيطة به.


في الثلاثينيات وفي اعقاب الثورة العربية، امتنعت الكنيسة عن بيع مناطق اخرى لليهود وفضلت تأجيرها من أجل ألا تكون مركزاً للانتقاد العربي، وهو منع استمر حتى السنوات الاخيرة، عندها بدأت الكنيسة في بيع اراض وعدم الاكتفاء بالتأجير لأمد طويل.


إسرائيل الفتية أحسنت استغلال الوضع

على الفور بعد إقامة الدولة في العام 1948 وقفت الحكومة أمام مشكلة: اراض واسعة في غربي القدس، في منطقة رحافيا، الطالبية ـ ووادي الصليب بقيت في أيدي اليونانيين، وادارة الكنيسة ورؤساؤها بقوا في الجانب الشرقي للحدود، في الأردن. حسب اقوال د. امنون رامون، الباحث في معهد القدس لأبحاث السياسات، فان اسرائيل الفتية احسنت استغلال هذا الوضع. اليونانيون تلقوا رسائل بأن الحكومة ستقوم بمصادرة الاراضي أو منع نقل عملة اجنبية الى الاردن اذا لم توافق الكنيسة على بيع الاراضي. لقد كان لاسرائيل والبطريركية في ذلك الوقت عدو مشترك – خطة تدويل القدس: حسب قرار التقسيم كان يُفترض أن تكون المدينة تحت حكم دولي.


خافت البطريركية اليونانية من أن يكون هذا النظام منحازا الى الكنائس الغربية ولا سيما الميل نحو عدوتها التاريخية، الكنيسة الكاثوليكية. في المقابل، خافت اسرائيل من أن تنتقل القدس الغربية من أيديها الى أيدي الامم المتحدة. لذلك، عملت اسرائيل والكنيسة ضد هذه الخطة، وهذا التعاون سهل التقارب تمهيدا لعقد صفقة بينهما.


في المحضر الذي عثر عليه تسور تبين أن معارضا آخر لخطة التدويل، الملك عبد الله، ملك الاردن، الذي قتل قبل اقل من ثلاثة أشهر من النقاش، أوصى الكنيسة ببيع الأراضي لإسرائيل. "رجال الكنيسة زاروا الملك عبد الله، وهو بدوره نصحهم بالبيع"، أوضح في الجلسة رئيس "الكيرن كييمت" ابراهام غرانوت. خلافا للملك الاردني فان القنصل البريطاني في اسرائيل والاردن وكذلك رئيس لجنة المصالحة التابعة للامم المتحدة، أوصوا البطريرك بعدم البيع.


إن من قام بدور رئيسي في المفاوضات كان يعقوب هرتسوغ، الأخ البكر لمن سيصبح رئيسا في المستقبل، حاييم هرتسوغ، ومدير قسم الطوائف المسيحية في وزارة الاديان. هرتسوغ، الذي كان حاخاما ودكتورا، اجرى مفاوضات صعبة مع اليونانيين. في رسالة لغرشون افنر، مدير قسم غرب اوروبا في وزارة الخارجية، تذمر من الصعوبات "اليوم تنهي معهم وغدا يطيرون من يدك، والفراغ الذي يتركونه يمتلئ بمرشحين جدد وتعود الى الدوران التقليدي المرتبط بكل علاقة باليونانيين". الرسالة تم اقتباسها في البحث الذي قام به رامون، الذي كتب رسالة الدكتوراه الخاصة به في موضوع علاقة المسيحيين مع دولة اسرائيل.


في الحكومة كان من اعتقدوا أنه يمكن مصادرة الارض، لكن وزارة الخارجية عارضت ذلك، وكانت هناك تحفظات لغرانوت ايضا. "يحتمل أن تتم اعادة طرح مسألة تدويل القدس في الجمعية العمومية للامم المتحدة القادمة"، قال. "يجب الحذر من اغضاب الكنيسة اليونانية وباقي الكنائس". في النهاية أعلن البطريرك أنه يوافق فقط على تأجير المنطقة لمدة 99 سنة مقابل مبلغ 350 ليرة مقابل الدونم سنويا (التي تساوي الآن 34 ألف دولار تقريبا في السنة عن كل المنطقة – مئات الدونمات). المحامي ابراهام ابرمان من مكتب افرايم افرامزون وشركاه والذي يمثل المشترين الجدد لاراضي البطريركية في رحافيا يدعي أن الثمن الذي دفعته "الكيرن كييمت" في الصفقة التاريخية كان فقط جزءا صغيرا من المقابل، لأنه في نظر البطريركية فان اساس المقابل هذا كان الحصول على الارض بعد مئة سنة مع المباني التي عليها. "هذا اتفاق يشبه اتفاق "بي.أو.تي" في مجال البنى التحتية"، قال ابرمان، "المقابل الاساسي منخفض والمقابل الاضافي هو الحصول على العقارات بعد مئة سنة حيث تكون مبنية وجاهزة".


وهكذا فان الاتفاق الذي وقع لا يترك أي مجال للشك بخصوص وضع العقارات في نهاية فترة التأجير، كتب فيه أن "الكيرن كييمت" تتعهد بارجاع المنطقة مع المباني التي عليها "بوضع جيد، بدون أي ديون أو قروض... ولا يتم دفع أي مبلغ من جانب البطريركية مقابل تلك المباني أو البنى التحتية التي اقيمت على الارض". لذلك فقد اضطرت في النهاية الحكومة و"الكيرن كييمت" على الموافقة، لكن ليس قبل ان يتم بذل محاولات لتغيير الشروط. أحد المتحدثين، السيد كاستن بويم (كما جاء اسمه في البروتوكول) اقترح أن يتم ادخال بند في الاتفاق يمكن من الحصول على الملكية الكاملة على الارض في المستقبل. ولكن هذا البند لم يتم ادخاله الى الاتفاق. ايضا اقتراح شخص باسم حزان أن يتم ادخال بند يمكن "الكيرن كييمت" من شراء الارض بسعر كامل، لم يتم ادخاله. متحدثون آخرون من بينهم الرئيس غرانوت وافقوا على أنه لا يوجد ما يقلق، حيث إن دولة اسرائيل تستطيع حل هذه المسألة بعد 99 سنة. "بعد مئة سنة واكثر ستكون دولة اسرائيل قوية جدا ولا يوجد ما يقلق بشأن مصير الارض المؤجرة"، شرح الرئيس. على الاقل متحدثان أشارا بالايجاب الى حقيقة أن الصفقة ستعزز "الكيرن كييمت" تجاه الداخل، في فترة حاسمة يجب عليها أن تجد مكانها بالنسبة لمؤسسات الدولة الآخذة في التشكل.


الحكومة أو "الكيرن كييمت"

أعضاء قيادة النضال على قناعة بأن بذور الازمة زرعت في تلك الجلسة. الكنيسة تعلمت من تلك العقود أنها تستطيع أن تؤجر بثمن اعطاء ملكية دون نقل الملكية: في اعقاب هذه الصفقة تم عقد صفقات اخرى لتأجير اراض في القدس وفي البلاد لرجال اعمال وشركات – ليس عن طريق "الكيرن كييمت"، هكذا كتبوا للمحامي كامنتس. "(الكيرن كييمت) لم تستكمل شراء الملكية ومن استأجروا الشقق كانوا أدوات في أيدي الدولة و(الكيرن كييمت)".


د. رامون يختلف مع الادعاء أنه كان يمكن التوصل الى اتفاق أفضل. حسب اقواله فان اتفاقات التأجير في بداية الخمسينيات كانت انجازا سياسيا وعقاريا جيدا للدولة الفتية. "نحن ربما ننسى قليلا سنوات عمره السبعين، لكن في تلك الايام فان مسائل "ما هي هذه الدولة؟ هل سيمكنها الصمود؟ وهل القدس الغربية ستبقى في أيدي اسرائيل؟ كانت اسئلة غير واضحة تماماً"، شرح. "في كل هذا الامر كان يجب بناء عاصمة، وهم نجحوا في تمرير الاستئجار لـ 99 سنة، هذا انجاز كبير".


كوبي بير، مخمن، ووسيط متخصص في مسألة اراضي الكنيسة، يوافق على هذه الاقوال. "كان للكنيسة مشكلة دينية وسياسية في الاعتراف بدولة إسرائيل"، شرح. "حتى في العام 2000 عندما استطاعت الدولة حل المشكلة فان الحد الاعلى الذي كان يمكن التوصل اليه هو تمديد التأجير". من جهة، من الواضح أنه بالنسبة لوقته كان هذا انجازا، قال مصدر مقرب من البطريركية. ومن جهة اخرى من الواضح أنه خلال السنين كانت هناك حالات كثيرة كان بامكان الدولة فيها أن تشتري الاراضي، ولكن كان هناك اهمال من جانبها.


مهما كان الامر، يؤكد رامون على أن نشطاء قيادة النضال محقون بأن الامر لم يكن يتعلق بصفقة لـ"الكيرن كييمت". فـ"الكيرن كييمت" كانت الذراع التنفيذية للحكومة في هذه الصفقة، والمسؤولية عن الوضع الذي نشأ تقع على الحكومة. يدعم هذا الموقف ايضا نافا بن تسور، من قادة كفاح المستأجرين: "الاهمال يتمثل في أنه لم يكن حل هذه المشكلة بعد عشر أو عشرين سنة من الاتفاق على جدول الأعمال".

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.