إن هجوم بنيامين نتنياهو على السفراء والدول، الى درجة الغاء لقاء مع رئيس حكومة بريطانيا، والتهديد بالعقوبات الاقتصادية، يؤكد على أن قرار مجلس الامن قد اصاب وترا حساسا. وقد يكون سبب ذلك هو أن القرار 2334 قد غرس دبوس في العالم الوهمي الآخذ في الانتفاخ لدى اليمين في اسرائيل، حيث أن نتنياهو على قناعة بأنه يوفر المظلة الشرعية لقدرته اللانهائية على المناورة أمام العالم كله.


 إن القول الواضح لـ 14 دولة في العالم، التي لا تقرأ الواقع مثلما يكتبه اليمين، هو بالطبع "وقاحة لا يمكن وصفها". وعندما تتم كتابة ذلك بالابيض والاسود كقرار رسمي فهو يتحول الى حقيقة أكثر وقاحة في داخل "الحقائق" الوهمية التي يجب اختراعها كل يوم من جديد. 

  هناك رسالة اخرى تظهر في القرار وتغضب اليمين وهي أن الكتل الاستيطانية وحائط المبكى ليست في جيب أي أحد. الحلول الوسط التي تمت في المفاوضات أو بالضم، هي فقط حلول وسط لا تحول الاراضي المحتلة الى اراضي غير محتلة. والضوء الاحمر الحقيقي الذي أرسله قرار الامم المتحدة هو أن افشال المفاوضات من جانب اسرائيل ورهنه باعتراف الفلسطينيين بدولة اسرائيل كدولة يهودية، يهدد كل ما تم تحقيقه الى الآن.

  الفلسطينيون لن يكتفوا دائما بما كانوا مستعدين للاكتفاء به حتى الآن. فكلما مر الوقت كلما ابتعد الحل. والآن يوجد لهم مرجعية دولية قانونية تُذكر بما هو مفروغ منه من الناحية الاخلاقية: أن السيطرة على الاراضي والبناء في المناطق المحتلة، امور غير قانونية. وبلحظة واحدة اصبحت المستوطنات، في الوعي على الأقل، أقل من حقائق مفروغ منها.

  منذ سنوات واليمين يختص بالبناء وفي خلق واقع وهمي وكاذب لاسرائيل كبيرة وقوية عادت الى اجزاء من الوطن الضائع وقامت بتحريرها. ومنذ ذلك الحين، لاسباب غير معروفة، خصوصا لاسامية، تضطر الى الدفاع عن حقها الطبيعي على الاماكن المقدسة والاراضي المقدسة. في هذا "الهدف" لا يوجد سكان مستعبدين ولا حقوق لهم. واذا كان هناك سكان فهم مقيمون يرفضون التسليم بحق اليهود على بيوتهم واراضيهم، أو أنهم ينكرون الجميل، حيث أنه رغم "التقدم" الذي تستطيع اسرائيل فقط أن تقدمه لهم، ما زالوا يطالبون بالحرية وبالاستقلال القومي.

 إن قرار الامم المتحدة الذي يعترف بحق وجود اسرائيل في حدودها السيادية يذكرنا بأن قول اليمين بأنه لا يوجد خيار، وكأن استعباد شعب آخر والاخلال بحقوق الانسان، هما حاجة وجودية لاسرائيل، يمكن أن يضعها في نفس المكان مع النظام الابيض في جنوب افريقيا في حينه – الذي كان وجوده خلافا لوجود اسرائيل، مشروطا بسحب حقوق الانتخاب من الاغلبية السوداء. لذلك لم يكن له حق في الوجود، وانهار في نهاية المطاف. بهذا المعنى، ايديولوجيا اليمين التي تشترط الوجود الآمن باحتلال شعب آخر، تسحب الارض من تحت حق وجود اسرائيل.

 إن طبيعة الواقع الوهمي بأنه لا يحمل اشارات الحقيقة في السلوك اليومي - الارهاب، صرخة الضحايا، هدم البيوت، سلب الاراضي واعمال اخرى تهدد بضعضعة مصداقية هذا الوجود. والطريق الوحيدة لمواجهة هذه المشكلة هي الانكار والرفض. وهكذا هو ايضا قرار الامم المتحدة الذي يعتبر سرقة الاراضي سرقة. وأنها تخالف القانون الدولي. وبالتالي هذا القرار هو قرار "مشوه ومخجل"، كما قال نتنياهو. إلا أن اقواله تدوي في هذه المرة في الداخل فقط.

   كلما حظي الواقع الوهمي بالشرعية وتبنته اجزاء واسعة من الشعب، كلما اصبح حقيقيا اكثر. ولأن قرار الامم المتحدة يعترف بالخط الاخضر تقل فعالية الادعاء الأبدي بأن تل ابيب ويافا ايضا هي مستوطنات. ولكن يتبين أنه حسب رأي متحدثي اليمين لا يوجد أكثر عبثية من الادعاء بأنه في 7 حزيران 1967 الساعة الحادية عشرة صباحا احتل جنود كتيبة القدس حائط المبكى الغربي، الذي تعتبره الامم المتحدة منطقة احتلت في حرب الايام الستة وضُمت بشكل لا يترك أي مجال للمفاوضات العادلة حول مكانة الاماكن المقدسة للشعبين في الاتفاق المستقبلي.

 إن قرار الامم المتحدة هو مثابة ضوء احمر بأنه ليس هناك حصانة دائمة. وهو يعكس نجاح دبلوماسية محمود عباس. ومن شاهد لغة جسد نتنياهو عندما هاجم الرئيس باراك اوباما في الامم المتحدة، لم تفته ملاحظة الهزيمة الشخصية. لعبة داود وجوليات أمام الادارة الامريكية كان يمكنها أن تستمر حسب قوانين القصة رغم التحرش اللانهائي لداود.

 لكن اوباما اختار كما يبدو في نهاية ولايته، وفي ظل غياب الأفق الدبلوماسي، أن يقول الكلمة الاخيرة، وقد أبقى على الأقل ارثا واضحا لادارته فيما يتعلق بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني. واذا قرر دونالد ترامب، خلافا للتوقعات، أن يطبق التصريحات التي أطلقها عن السلام في المنطقة، فقد يجد نتنياهو منافسا عقلانيا يستخدم القوة والاكاذيب. إن اتحاد ترامب وبوتين قد يكون أمرا أكثر أهمية.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.