حذر كيوساكي - صاحب كتاب الأب الغني والأب الفقير -من ظاهرة أن من يريد أن يزيد راتبه يعمد للبحث عن وظيفة جزئية إضافة لوظيفته الأساسية، وبذلك يستنفذ كل وقته

 كثير من الناس يظنون أنه لكي ينجحوا في أعمالهم لا بدّ وأن يعملوا لساعات أكثر، وبجد أكبر، ثم إنهم ما يلبثون وأن يكتشفوا بأن هذا ليس هو طريق النجاح، والتقدم في الأعمال، ويرون أن العديد من الأشخاص لا يعملون بجد ولا لساعات طويلة، ثم هم حققوا نجاحا باهرا في أعمالهم.


ثم ما أن يكتشفوا بأن الطريق إلى النجاح ليس سبيله العمل بجد، إنما سبيله العمل بذكاء.


إن الوقت والجهد المادي والبدني هما من الموارد المحدودة والتي لا سبيل إلى بذل المزيد منها من أجل التطور والتقدم وتحصيل النجاح والثروة، وأن بذل المزيد منها قد ينعكس سلبا على حياة المرء الروحية والنفسية والاجتماعية، بحيث يذهب كل وقته وكل جهده من أجل المال ومن أجل تحصيل المزيد منه.


وفي أحد التقارير حول عدد ساعات العمل لدول مختلفة تبين أن الدول المتقدمة والمتطورة يعمل أبناؤها لساعات أقل، لكنهم يحققون في هذه الساعات إنتاجية هائلة بالمقارنة مع دول أخرى متخلفة يعمل أبناؤها لساعات طوال. مما يدل على أن المهم في العمل ليس فقط الجهد المبذول أو عدد الساعات التي يقضيها الموظف أو العامل في العمل، إنما العبرة في الإنتاجية وابتكار الوسائل والأساليب التي من خلالها يزيد كفاءته ويحسن إنتاجيته، بما لا يعود بالضرر عليه أو لا يكون على حساب جانب آخر من جوانب حياته.


ومن القصص المعبرة عن ذلك التي توضح الفرق بين يسعى لزيادة دخله عن طريق العمل بجهد أكبر ولساعات أطول، وبين الذي يسعى لذلك من خلال التخطيط الذكي، والابتكار والإبداع هي قصة "خط الأنابيب"، والتي تحكي قصة رجلين يدعيا "إد" و"بيل"  كانا يبحثان عن مصدر لتأمين المال فوجدا فرصة لتحصيل المال من خلال نقل ماء لأصحاب قرية من مكان بعيد بعض الشيء، هذان الشخصان مختلفان في تفكيرهما وفي نظرتهما للأمور، منهم من يؤمن بالعمل بجد، ومنهم من يؤمن بالعمل بذكاء، فما كان من "إد" إلا أن أسرع بشراء دلوين كبيرين، وأخذ يقطع السكة المؤدية إلى البحيرة جيئة وذهابا، وسرعان ما أخذ يجني المال بفضل عمله منذ الصباح الباكر وحتى المساء. لقد عملا شاقا بالنسبة له، لكنه كان سعيدا للغاية لأنه كان يجني المال.


أما الشخص الآخر "بيل"، فقد اختفى لبعض الوقت ولم يره أحد لعدة أشهر، مما جعل "إد" فرحا للغاية بذلك، حيث لم يكن هناك من ينافسه وكان يحقق الأرباح وحده.


وبدلا من يقوم "بيل" بشراء دلوين قام بوضع خطة عمل، وأنشأ شركة، وعاد بعد ستة أشهر ومعه فريق عمل، وخلال عام واحد أقام فريق العمل خط أنابيب ضخما يربط القرية بماء البحيرة، وبسهولة استطاع أن ينافس "إد"، وقام بتزويد ماء للقرية بكميات أكبر وطيلة أيام الأسبوع، وهو بذلك قد مدّ أنبوبا كي يتدفق المال إلى جيبه، كما مد أنبوبا كي يوصل الماء إلى الناس.


وعاش "بيل" في هناء وسرور طيلة حياته لأنه ابتكر وسيلة لإيصال الماء لأصحاب القرية دون أن يكلفه ذلك أن يبذل جودا مضنية وأوقاتا هائلة، أما "إد" فقد عاش في شقاء طوال حياته وظل يعاني من المشاكل المالية والضغوطات المادية، وعدم قدرته على مواصلة نقل الماء بسبب كبر سنه وضعف جسده.


هذه القصة تساعدنا في اتخاذ قراراتنا في الحياة، وهل عندما نعمل، نقوم ببناء خط للأنابيب، أم أننا نقوم بنقل الماء بالدلو. هل نعمل بجد أم نعمل بذكاء؟!


إن ما فعله "إد" هو بمثابة ما يفعله الموظف، إذ يعمل لدى الآخرين، مقابل المال، ويجد ويجتهد ويقضي ساعات طويلة في العمل، ثم هو بعد ذلك بالكاد يحصل حاجياته ويؤمن مستقبله، وسيأتي يوم لا يقوى على الاستمرار بالعمل، وتزداد بعدها نفقاته.


أما ما فعله "بيل" هو بمثابة ما يفعله المبادر وصاحب العمل المستقل الذي يسعى لإنشاء المشروعات، لتصب نتاج هذه المشروعات في جيبه المال، دون أن يتطلب منه ذلك العمل بجد ولساعات طويلة، وذلك بالتأكيد يعتمد على مدى الإتقان والتخطيط والإبداع في إنشاء المشروعات.


وقد حذر كيوساكي - صاحب كتاب الأب الغني والأب الفقير -من ظاهرة أن من يريد أن يزيد راتبه يعمد للبحث عن وظيفة جزئية إضافة لوظيفته الأساسية، وبذلك يستنفذ كل وقته، ولا يبقى لديه فرصة ليخطط ويبتكر ويفكر في مشروعه الخاص....


لكنه كان ينصح دائما: "حافظ على وظيفتك اليومية، لكن ابدأ في الاهتمام بأعمالك الخاصة". هذه النصيحة تنبني على إدراك الفرق الكبير بين الوظيفة والعمل، فالوظيفة هي تعني العمل عند الآخرين، ولخدمة أهدافهم، مقابل مبلغ من المال، أما العمل، فهو ما تملكه وتكون عوائده لك.


وفي أغلب الأحيان تأتي المعاناة المالية نتاجا لأناس يعملون طوال حياتهم عند شخص آخر، ولهذا سيجد العديد من الناس أنفسهم في ضائقة مالية في أخريات أيام عملهم.


الخلاصة هو أنه أكبر خطأ يقع فيه الناس هو أنهم يعملون بجد ويبذلون قصارى جهدهم للمال، ومعظمهم لا يتقدمون ماليا لأنهم عندما يحتاجون إلى مال أكثر يلجؤون إلى وظيفة لدوام جزئي، وإذا أرادوا تحقيق تقدم فعلي فإن عليهم أن يحتفظوا بوظيفتهم الصباحية ويبدؤوا أعمالا خاصة بهم تستغرق بعض الوقت.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.