رأي

جمانة والكاروك الأزرق

بقلم الشاعر كريم عبدالله، بغداد ـــ العراق

( نصّ بوليفوني ثلاثي الأبعاد )

آآآآآآآآآآآآآآآهٍ إنّهُ الحنين العميق لأحضانِ الطفولةِ الدافئة ينبشُ بقوّةٍ هذا الشيب النابتَ بعدَ الخمسين , فــ ذاكَ صوتُ أمي موغلاً في نبضاتِ الصباح كــ رنينِ الجرسِ العجوزَ في مدرسةِ ( التوحيد )* البعيدة جداً يهزّهُ ( العم صالح )* فــ يبدّدُ هجوعها بينَ أشجارِ النارنج وحكايات لا تنتهي , ايّةُ نشوةٍ تغمرُ الليلَ حينَ تلامسُ التعاويذَ المعلّقةِ على خيطٍ رفيعٍ تستعذبُ طردَ المرضَ والجنَّ والسحرَ والحسدَ ! و كيفَ يجتمعُ ( الحرمل )* البريّ والبخور الهنديّ وآية الكرسي تحتَ الوسادة تبعثُ إبتسامة في الشفتين ! التمائم كانتْ تجلو البصرَ وتستبقي أسرارها تكبرُ , لماذا للآنَ صوتُها يتردّدُ وكــ أنَّ الكروموسومات عشقتْ بحّتهُ فــ أنبسطَ على حبالِ صوتي ( دللّول ... دللّول يــ الولد يبني دللّول .... عدوكْ غريب وساكنْ الجول ... دللّووووووول .... دللّوووووووووووووووول ... لووووووول .... ووووووووووول .... )* فــ يحتضنُ الإزدحامَ في شرفاتِ الأحلام يتشمّمُ عطرَ ( لنْكْ الدنيا )* يستطيبُ الهدوءَ في الأكياسِ الورقيّة , أينَ شلاّلات الحنانِ تتصفّحُ السنين في ترنيماتِ أمي ؟ وأيُّ سعادةٍ ستورّثُ الــ ( خَمْسْ فلوسْ )* حينَ تضمّها يدٌ صغيرة ترقصُ بــ غنجٍ بعدما تخرجُ بــ أبّهةٍ مِنْ جيبِ أبي في معطفهِ العسكريّ الأنيقَ تزيّنهُ الأزرارَ اللمّاعة مِنْ كثرةِ ( البوليشْ )* ! أرّقني كثيراً وجهكِ الضحوكَ يا ( جمانة )* والمهدُ الحديث يحتفلُ بــ صوتكِ منتشياً ويسرقُ الوقتَ المعتّقَ بــ لهفةِ العيون .

........................

حين إحتضنت حفيدتي ( جمانة ) وهي في المهد غمرني حنين عنيف الى ايام طفولتي والى مهدي الخشبيّ ( الكاروك ) باللهجة العامية العراقية , فقد كان ملوّن بالاصفر والاخضر والابيض لكن اللون الازرق هو الغالب .

التوحيد : مدرستي الابتدائية .
العم صالح : فرّاش المدرسة في ذلك الحين .
الحرمل : نوع من النباتات .
دللّول : ترنيمة عراقية تتغنى بها الامهات على اطفالهن .
لنْكْ الدنيا : نوع من الفاكهة .
خَمْسْ فلوسْ : عملة عراقية قديمة قليلة القيمة .
البوليشْ : كان يستخدمه والدي يلمّع الازرار به .

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.