تعود ذكرى رحيل القائد والمعلم الخالد جمال عبد الناصر، لتتصدر المناسبات الوطنية والقومية العربية، حيث أحيت القوى الناصرية والقومية بالأساس، كما أحيى شعب مصر عامة الذكرى الرابعة والأربعين لغياب هذا القائد المتميز، والذي كلما ازداد تعداد أعوام غيابه كلما ترسخت ذكراه في الذاكرة العربية والعالمية أكثر، بشكل يليق بذكراه. وما يميز ذكرى هذا العام عدة أمور، نجمل أهمها بايجاز لأنه يستعصي على مقال سيار أن يحوي كل تلك المعاني والعبر.

 

بعد 44 عاما على غيابه

عبد الناصر حي لا يموت

 

تعود ذكرى رحيل القائد والمعلم الخالد جمال عبد الناصر، لتتصدر المناسبات الوطنية والقومية العربية، حيث أحيت القوى الناصرية والقومية بالأساس، كما أحيى شعب مصر عامة الذكرى الرابعة والأربعين لغياب هذا القائد المتميز، والذي كلما ازداد تعداد أعوام غيابه كلما ترسخت ذكراه في الذاكرة العربية والعالمية أكثر، بشكل يليق بذكراه. وما يميز ذكرى هذا العام عدة أمور، نجمل أهمها بايجاز لأنه يستعصي على مقال سيار أن يحوي كل تلك المعاني والعبر.

1-   مصر من جديد: أحيت مصر ذكرى زعيمها بشكل لم تشهده في الأعوام الأربعين التي خلت، والتي سبقت ثورة 25 يناير. حيث تعرض عبد الناصر رمزا وتاريخا وعهدا الى حملات تشويه وتزوير، الى حد الانقلاب فكرا ونهجا على كل ما مثله وخلفه عبد الناصر لمصر، وذلك تحت اشراف وتشجيع النظام الحاكم مباشرة في عهدي السادات ومبارك. واليوم وبعد نجاح ثورتي 25 يناير و30 يونيو، اللتين رفعت خلالهما صور عبد الناصر وصدحت حناجر أبناء الشعب باسمه وبمبادئه وشعاراته وعلى رأسها حرية وعدالة اجتماعية، تعود مصر لتعيد الاعتبار لهذا الرئيس والقائد الذي رفع اسمها في العالم، كما رفع رأس ابنها الفلاح البسيط.

وفي ظل الثورة الجديدة، عادت وسائل الاعلام المصرية – التي منعت من ذكر عبد الناصر في ظل النظام الفاسد والمتهاون- لتحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو وذكرى رحيل وميلاد القائد عبد الناصر، وهذا ما حرمنا منه طوال أربعة عقود. فالصحف المكتوبة والألكترونية والفضائيات قامت بتغطية الحدث، ونقلت لنا وقائع زيارة ضريح القائد واستقبال الوفود والشخصيات هناك. ولأول مرة يقوم رئيس الجمهورية بارسال مندوب رفيع المستوى، تمثل بوزير الحربية وقائد القوات المسلحة، ليقوم بوضع اكليل من الزهور على ضريح "الريّس" الخالد، باسم الرئيس السيسي.

إن مصر تحاول العودة الى عهد حرمت منه طويلا، وهناك من يرى في الرئيس السيسي شبيها بناصر أو مكملا لطريقه، وهناك بعض الدلائل التي تشير الى ذلك، مثل عقد صفقة أسلحة مع روسيا، وشق قناة سويس جديدة، لكن من المبكر الحكم عليه وعلى عهده وسياسته.

2-   فشل خصوم عبد الناصر: سجل خصوم عبد الناصر فشلا ذريعا وواضحا في الاجهاز على عبد الناصر وعلى تراثه ومبادئه، وخاصة الموالين لأمريكا والاخوان المسلمين. فقد ثبت أن أمريكا التي سلمها السادات أوراق اللعبة السياسية وواصل مبارك ذلك النهج السيء، لا يمكن لها أن تقف الى جانب العرب في قضاياهم العادلة وخاصة القضية الفلسطينية، فولاء أمريكا الأول والأخير هو لاسرائيل. وعلى الصعيد الداخلي، فشلت سياسة الانفتاح الاقتصادي التي بدأها السادات وواصلها مبارك، في تحقيق الرخاء للشعب المصري، على عكس ما وعدوه به، خلال هجوم مركز وممنهج ضد سياسة عبد الناصر الاقتصادية التي اعتمدت على الاشتراكية وتذويب الفوارق الطبقية. حيث عاد الاقطاع واحتكار المال ليرفع رأسه من جديد في محاولة للقضاء على كل المنجزات الناصرية وعلى رأسها توزيع الأراضي للفلاحين وتمصير المؤسسات المصرفية والاقتصادية، وتأمين التعليم المجاني والمساكن الشعبية لعامة الشعب.

وعلى صعيد الخصوم السياسيين الممثلين بالاخوان المسلمين، الذين عادوا عبد الناصر وانقلبوا عليه وحاولوا اغتياله عام 1954 والانقلاب على نظامه عسكريا عام 1964 ، لأنه رفض الانصياع لتعليماتهم وأوامرهم التي هدفت الى مصادرة الحريات من الشعب المصري، واغلاقه وراء حجب من الغيبيات والتخلف باسم الدين، فكشف عبد الناصر ألاعيبهم ومال الشعب اليه وقدم له الدعم المطلق في وجه المتآمرين والرجعيين. وعاد الاخوان على محاولتهم بعد ثورة 25 يناير في محاولة لابتلاعها، لكن الشعب المصري ومعه الجيش أفشلا هذه المحاولة الجديدة. وظهر الاخوان المسلمين على حقيقتهم، وهم الذين اجتهدوا طوال أربعة قرون في الافتراء على عبد الناصر والطعن باستقامته الشخصية والوطنية، موجهين له الاتهامات العبثية، فظهرت حقيقتهم الفعلية في تحالفهم وتعاونهم مع الغرب وخاصة أمريكا، وتآمرهم لضرب وطنهم وارادة شعبهم.

وهكذا بعد 44 عاما ينهض عبد الناصر منتصرا على أعدائه وخصومه، مثبتا صدق طريقه، واستقامة نهجه، وأن حملات التشهير الظالمة، لن تنزع محبة الشعب له مهما دار الزمان.   

3-   استحضار عبد الناصر: في الآونة الأخيرة شهدنا محاولات لاستحضار شخصية عبد الناصر وجعلها نسخة أصلية عنه، فهل نجحت تلك المحاولات؟ في الساحة الفنية عرض في شهر رمضان الأخير مسلسل "صديق العمر" الذي تحدث عن العلاقة التاريخية والانسانية بين الزعيم جمال عبد الناصر وصديق عمره ورفيق طريقه المشير عبد الحكيم عامر. ولعب الفنان جمال سليمان دور الزعيم عبد الناصر، ورغم اجتهاده الكبير وموهبته الأصيلة إلا أنه لم يستطع اقناعنا ولا للحظة بأننا نشاهد عبد الناصر أمامنا. ولم تشفع له تبريراته من خلال اللقاءات التلفزيونية خلال عرض المسلسل. لم يقنعنا جمال سليمان بموهبته المعروفة بأنه جمال عبد الناصر، أو أننا نرى عبد الناصر يتحرك ويتكلم أمامنا على الشاشة، وتبريراته غير مفهومة، طالما أن فنانا موهوبا آخر وهو أحمد زكي نجح في فيلم "ناصر 56" في اقناعنا الى حد كبير أننا نرى ونعاين عبد الناصر، والدليل على ذلك ما تركه من تأثير في جيل الشباب الذي أقبل على مشاهدة الفيلم، وهو لم يعاصر عبد الناصر وخرج من صالات العرض يهتف باسم ناصر.

وقبل أيام أدلى جمال سليمان بتصريح قال فيه أن جيهات السادات اتصلت به وأثنت عليه في تأدية دور عبد الناصر، فاذا كان سليمان يعتز بشهادة جيهان وينكر شهادة الدكتورة هدى عبد الناصر، كريمة الزعيم الراحل، فانه يمكن لنا أن ندرك لماذا لم يقنعنا بأدائه.

وعلى الصعيد السياسي عمل بعض المؤيدين لعبد الفتاح السيسي أن يجعلوا منه ناصرا جديدا، فهل ذلك حق؟ رغم تقديرنا للسيسي وما فعله ورغم محبتنا لمن يرى فيه ناصرا جديدا، إلا أن السيسي لم يثبت لنا أنه ناصر جديد أو يمكن أن يكون كذلك. صحيح أنه حاول ويحاول تقليد عبد الناصر في بعض الخطوات، لكنه ما زال بعيدا عنه خاصة وأنه لم يتخلص بعد من اتفاقيات كامب ديفيد التي عقدها السادات مع اسرائيل، بما يناقض تماما سياسة ونهج عبد الناصر. اضافة الى الحلف غير المكتوب الذي عقده مع السعودية وملكها وخضوعه لاملاءات السعودية لقاء الدعم المادي الكبير، والدعم المعنوي في مواجهة قطر وتركيا، وهذا يناقض سياسة عبد الناصر الذي لم يخضع يوما للرجعية العربية وللأحلاف الغربية رغم كل الاغراءات المالية.

إن السيسي لم يستغل فرصة تاريخية منحت له كرئيس أكبر دولة عربية منتخب من شعبه – كما أشار لي أحد الأصدقاء- فبدل أن يخطو خطوة كبيرة تجعله فعلا ناصرا ثانيا، تتمثل في مبادرة لجمع الدول العربية من خلال الجماعة العربية واحيائها من جديد على أسس قومية، والانطلاق في برنامج عربي موحد يعيد لمصر وزنها العربي والعالمي، ويعيد للعرب بعضا من وحدتهم أمام المخاطر العديدة والكبيرة التي يتعرض لها الوطن العربي. وبما أن السيسي فوت هذه الفرصة فهو بعيد عن أن يكون عبد الناصر، كما هو بعيد عن ذلك أي زعيم عربي آخر حتى من آخر القوميين العرب للأسف.

في الذكرى الـ 44 لغياب عبد الناصر، يثبت أنه لا شبيه لعبد الناصر ولا يمكن أن يكون هناك ناصر آخر في المدى المنظور على الأقل، وسنبقى نحيي ذكراه، ليس تكريما له فقط، انما لنذكر أعماله ونهجه وما تركه فينا من عزة وكرامة ولنبقى مرفوعي الرؤوس دائما.

(شفاعمرو/ الجليل)

 

 

*المقال يعبر عن رأي كاتبه فيقط، الشمس غير مسئولة عن ما يرد في المقال

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.