رأي

المبادرة المصرية وإشارات الاستفهام - علي بدوان

تبدو اللحظات الحاسمة متسارعة الآن بالنسبة لما يجري في الكواليس الخلفية للدبلوماسية السرية بشأن العدوان على قطاع غزة. فالنية تتجه نحو دفع الجامعة العربية إلى تبني المبادرة المصرية للتهدئة وإلزام الطرف الفلسطيني بها، وربما تسويقها دوليا لتتحول إلى وثيقه سياسية في سياق عملية تفاوضية مُختلة ومأزومة.

تبدو اللحظات الحاسمة متسارعة الآن بالنسبة لما يجري في الكواليس الخلفية للدبلوماسية السرية بشأن العدوان على قطاع غزة. فالنية تتجه نحو دفع الجامعة العربية إلى تبني المبادرة المصرية للتهدئة وإلزام الطرف الفلسطيني بها، وربما تسويقها دوليا لتتحول إلى وثيقه سياسية في سياق عملية تفاوضية مُختلة ومأزومة.

فكيف نقرأ المبادرة المصرية الجديدة، والدور المصري بشكل عام على صعيد ما يجري من عدوان على قطاع غزة؟

مبادرة منحازة
نبدأ القول بأن المبادرة المصرية لوقف العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، فاقدة للمعايير الوطنية التي يريدها الفلسطينيون، فهي مبادرة تساوي وبكل صلافة بين الجلاد والضحية، بين الحمل والذئب، وتساوي بين العدوان "الإسرائيلي" والدفاع عن النفس، عندما تصف ما وقع ويقع من عدوان على الشعب الفلسطيني في القطاع بأنه "أعمال عدائية".
بل أكثر من ذلك هي مبادرة منحازة، ولا تلحظ حجم العدوان وكوارثه التي سقطت وانهالت على الشعب الفلسطيني الصامد الصابر على أرض قطاع غزة منذ سنوات طويلة من ليل الحصار، غزة التي شنت عليها أكثر من ألف غارة جوية، وألقيت عليها من الحمم النارية في العدوان الأخير ما تم إلقاؤه على مدينة "درسدن" الألمانية في الحرب العالمية الثانية عند حساب نسبة المساحة وعدد السكان والنسبة والتناسب.


المبادرة المصرية تعطي الاحتلال والدولة العبرية الصهيونية "صك براءة" أمام المجتمع الدولي بأسره حين تصر على موازاة فعل الاحتلال بالعمل المشروع لقوى المقاومة الفلسطينية التي تصدت وقاتلت جبروت الاحتلال بسلاحها المتواضع، واستطاعت أن تَقُض مضاجعه.

كما أن المبادرة المصرية لا تلحظ إنجازات المقاومة العسكرية -حتى لو اعتقد البعض أنها متواضعة- ولا تريد لها أن تجني ثمارا سياسية، أولها فك الحصار الظالم منذ سنوات ورفعه عن القطاع، وهو مطلب دولي على كل حال قبل أن يكون مطلبا وطنيا فلسطينيا.

إن المبادرة المصرية تُقدم للفلسطينيين حلا "إسرائيليا" بامتياز، يتجاوب مع رغبات حكومة نتنياهو ويتجاهل الرغبات الوطنية الفلسطينية، وهو حل -في أحسن الأحوال- يتجاهل نهر الدماء التي روت أرض القطاع، ولا يعطيها أدنى قيمة.

إنها مبادرة تدعو وفودا "إسرائيلية" وفلسطينية على أعلى مستوى لتثبيت التهدئة واستكمال إجراءات بناء الثقة.! أي جر الطرف الفلسطيني إلى ما هو أبعد من التهدئة، إلى التسوية ومربع لعبة المفاوضات العبثية، أي أنها باختصار دعوة إذلال في جانب كبير منها للطرف الفلسطيني.

إنها مبادرة لا تستجيب لحقيقة أن "إسرائيل" هي دولة احتلال، وأن الفلسطينيين شعب تحت الاحتلال، ويمارس حقه في مقاومة الاحتلال ولا يمارس "أعمالا عدائية".

إنها مبادرة ستجعل شهية "إسرائيل" تندلق في سلوكها المُتعجرف، حيث يتوقع لها في ظل هذه المبادرة الشديدة الارتخاء، أن تُقدم على أعمال أكثر وحشية استنادا إلى موقفها من بدعة التهدئة أو الهدنة أو أي مُسمى آخر.

موقف دون المرتجى
لماذا هذا الدور المصري، وتحديدا بالنسبة لملف قطاع غزة؟ فهو موقف يتكرر عقب كل جولة عدوانية تقع على القطاع، ألم يحن الوقت لفك القيود التي تُكبّل الموقف الرسمي المصري منذ سنوات طويلة، والعمل من أجل العودة إلى موقف مصر التاريخي من القضية الفلسطينية.. مصر التي قدمت أنهارا من الدماء لأجل فلسطين؟.. أما آن الأوان لبلورة موقف رسمي مصري آخر -ونشدد على موقف رسمي لا شعبي- يساعد الفلسطينيين في القطاع، وينحاز إلى موقفهم العادل، كما تنحاز إليهم بورتوريكو وبوليفيا ونيكاراغوا ومدغشقر وجزر الرأس الأخضر.

ففي كل مرة يُشن فيها عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، تتجه الأنظار صوب مصر، ليس لأنها بلد عربي مركزي ومؤثر فحسب، بل لأنها أيضا البلد العربي الوحيد الذي يجاور غزة مباشرة، ولا بوابات للقطاع نحو العالم الخارجي دون مصر، وموقف قيادة هذا البلد وسلوكه يلعبان دورا مهما في تطورات ومسارات الأحداث في قطاع غزة وحتى في عموم مسارات القضية الوطنية التحررية العادلة للشعب العربي الفلسطيني.. إنها الجغرافيا السياسية، والبعد المتعلق بالأمن القومي المصري، كما هي التاريخ الحي للعلاقة بين مصر وفلسطين، وهو التاريخ الذي لا يستطيع أي طرف أن ينهيه أو أن يهيل التراب عليه.


لكن للأسف، فإن مصر الرسمية ومنذ اتفاقية كامب ديفد الأولى الموقعة عام 1979، لا تلعب دورها المطلوب والمرتجى من قبل الفلسطينيين لجهة الضغط على الاحتلال، بل تلعب -وفي كل مبادراتها أو خطواتها السياسية على صعيد الصراع مع الاحتلال- دور "الرسول" بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، تنقل الرسائل و-في أحيان كثيرة- التحذيرات والتهديدات التي كانت تُطلقها الحكومات "الإسرائيلية"، وكان بعضها من التحذيرات الوهمية التي سبق أن نقلها الجنرال عمر سليمان الذي كان يدير جهاز المخابرات الحربية المصرية لسنوات طويلة، حين كان ممسكا بالملف المتعلق بالموضوع الفلسطيني في قطاع غزة وملف الفصائل والقوى الفدائية الفلسطينية، وقد رحل عن دنيا الوجود وفي جعبته الكثير من الأسرار التي لو قيض لها أن تخرج لأحدثت دويا في الساحة الفلسطينية وحتى المصرية لجهة الموضوع الفلسطيني.
وتحضرنا في هذا السياق المقولة التي كان يرددها الرئيس المخلوع حسني مبارك مع كل جولة عدوانية على القطاع، ومع كل جولة استعصاء سياسي في مسار المفاوضات "أنا لست مع هذا أو ذاك.. أنا وسيط".

مصر وخسارة الدور
قصارى القول إن مصر الرسمية -لا الشعبية- ما زالت في موقع الخسارة لدورها القيادي في المنطقة، وهو الدور المفترض به أن يتناسب مع ثقلها المركزي في العالم العربي، حيث لم يقع حتى الآن تبدل إستراتيجي في الدور المصري على صعيد إدارة ملف الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال، وملف الأوضاع في قطاع غزة.
والسبب الرئيسي وراء تلك الخسارة أن الموقف الرسمي المصري ما زال يراوح مكانه رغم كل التبدلات التي وقعت في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهي تبدلات باتت تضع العديد من إشارات الاستفهام على دور العسكرتاريا الحالي.

والمؤسف الآن -ونقولها بكل مرارة- أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاوز جميع من سبقوه في سوء أدائه في الحرب الراهنة على غزة، فقد أعاد إلى الأذهان تواطؤ نظام حسني مبارك في التحضير للعدوان على غزة في أكثر من مرة في سياق الضغط على الفلسطينيين وحتى على الرئيس الراحل ياسر عرفات، وذلك عبر إيفاد السيسي مدير المخابرات العامة محمد فريد التهامي إلى تل أبيب قبل يومين من العدوان، بما يذكّر بزيارة تسيبي ليفني إلى القاهرة عام 2008 قبل أيام من عدوان "الرصاص المصبوب" على غزة آنذاك.

والمؤسف الآن أن حصار غزة في عهد السيسي يختلف حتى عن عهد مبارك، إذ لا يقف عند حدود إغلاق معبر رفح أو تدمير الأنفاق، بل تعداهما خطوات كبيرة إلى الأمام من خلال اعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "تنظيما إرهابيا" في قطاع غزة وعموم فلسطين، وهنا المقتل الآخر والمصيبة الكبرى للموقف الرسمي المصري الحالي.

هذا إضافة إلى قيام بعض وسائل الإعلام المصرية -وعلى رأسها بعض الرموز من إعلاميي النظام- بتزييف الوعي وشن حملة كبيرة على الفلسطينيين وعلى القطاع تحديدا، بل وصل الأمر ببعضهم حد الطلب من حكومة نتنياهو باستمرار عدوانها على القطاع لاجتثاث الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وباقي القوى الفدائية الفلسطينية.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.