الأستاذ عودة بشارات مثقّف عربي من كتّاب جريدة هآرتس العبريّة . لا أعرف بصدق متى يكتب هناك، وما العلاقة الرسميّة بين الأستاذ بشارات وجريدة هآرتس. أجد له مقالة في الجريدة فأقرؤها، أحيانا حتى نهايتها، وفي أحيان كثيرة لا آتي على آخرها،

 

  ليست الأمور بهذه السهولة يا أستاذ!

 

عارف الصادق

 

الأستاذ عودة بشارات مثقّف عربي من كتّاب جريدة هآرتس العبريّة . لا أعرف بصدق متى يكتب هناك، وما العلاقة الرسميّة بين الأستاذ بشارات وجريدة هآرتس. أجد له مقالة  في الجريدة فأقرؤها، أحيانا حتى نهايتها، وفي أحيان كثيرة لا آتي على آخرها، لأنّ جمهوره المقصود عادة هم القرّاء اليهود، وأنا أقرأ ما يكتب عادة من باب "التطفّل" وحبّ الاستطلاع. باختصار: في أحيان كثيرة أقرأ المكتوب "من عنوانه" وأكتفي. هذا هو دأبي منذ سنين من قراءة هآرتس، ومن الاطّلاع على مقالات الأستاذ بشارات هناك. لست في حاجة أيضا، وليعذرني الأستاذ بشارات، إلى الحِكم والحكايات والأمثال والأبيات الشعريّة العربيّة التي يتبّل بها مقالاته عادة. هذه "المقبّلات" يقدّمها بشارات، في ظني، للقارئ اليهودي بالذّات، علّها "تفتح" نفسه، فيواصل القراءة حتّى النهاية، ويسمع دعاوى الآخر. لنقلْ باختصار مرّة أخرى: لست الجمهور المقصود لمقالات الأستاذ بشارات، لكنّي أقرؤها، أو على الأقلّ أطّلع عليها دائما حين أراها.

هكذا باختصار أفهم دور الأستاذ بشارات في هآرتس؛ وهو دور لا يستحقّ عليه منّا، نحن القرّاء العرب، غير الشكر والثناء. لكنّه يوم الأحد، 17/ 2/ 14، تناول موضوعة "كبيرة" تعني القرّاء العرب أيضا، لا أقلّ من قرّائه اليهود. في مقالته المذكورة تناول الأستاذ بشارات مسألة تعريف إسرائيل، أو بتعبير أدقّ: كيف تعرّف إسرائيل نفسها. إسرائيل، كما يعرف كلّ من قرأ "وثيقة الاستقلال" المعلّقة في معظم المؤسّسات العربيّة الرسميّة، هي دولة "يهوديّة ديمقراطيّة"، وبهذا الترتيب أيضا! ولا أظنّ التعريف ولا الترتيب، طبعا، كانا من باب الصدفة. الوثائق الرسميّة لا يكتبها أولاد، كما نعرف، ولا تُكتب بسرعة أيضا. كلّ كلمة لها مكانها ومكانتها طبعا. قبل كلّ شيء، إسرائيل دولة يهوديّة. ثمّ بعد الصفة الأولى هي دولة ديمقراطيّة! هذا هو التعريف القانوني المُلزم، خصوصا في غياب دستور في إسرائيل، بخلاف معظم الدول "الراقية" الأخرى. لذا، كان غريبا أن نقرأ للأستاذ بشارات في مقالته المذكورة قوله: " فعلا، ما الذي كان ناقصا لإخوتنا اليهود حتّى بداية سنوات التسعين؟ [...] لماذا، إخوتنا اليهود، كان ضروريّا أن توضع مصيدة "الدولة اليهوديّة" ؟ ما زال اليهود، منذ ئذ، مختلفين فيما بينهم: الذين  يريدونها أكثر يهوديّة، في الاتجاه العنصري، مختلفون مع من  يفتّشون عن الوجه الليبرالي في اليهوديّة. هذا أيضا مثار خصام بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، كأنّما موضوعات الخلاف ناقصة [...] ليس في التعريف "يهوديّة ديمقراطيّة" وطنيّة، ولا فيه ذرّة من الحرص على سكّانها اليهود". 

لكنّنا نعرف، والأستاذ بشارات في ظنّنا يعرف، أنّ تعريف إسرائيل هو قضيّة شائكة، شائكة جدّا، سواء في نظر العرب أو اليهود، من سكّان هذه البلاد. إذا كانت إسرائيل "يهوديّة" فالعرب فيها أقليّة  تحت حكم الآخر، "ضيوف" يعني، لا مواطنون متساوون في الحقوق شأنهم شأن غيرهم من مواطنيها. في الماضي اعتبرت الدولة مواطنيها من العرب "أقليّات" دينيّة، لا أكثر، من مسلمين ومسيحيّين ودروز. إذا اعتبرتهم  جميعهم فلسطينيّين، فذلك يناقض الإيديولوجيا الصهيونيّة التي زعمت في الماضي أنّ اليهود هم شعب بغير وطن أقاموا لهم دولة في وطن بغير شعب. لماذا اعتبار الفلسطينييّن شعبا وإفساد هذه المعادلة المريحة للضمير وللدعاية ؟ في هذه الأيّام لم يعودوا طبعا يستطيعون ترديد هذه اللازمة البالية. يعترفون اليوم، معظمهم على الأقلّ، أنّنا هنا أقليّة قوميّة فلسطينيّة، من أبناء الشعب الفلسطيني الذي عمر هذه البلاد قبل قيام إسرائيل، وقبل الحرب العالميّة الثانية، بل قبل الانتداب البريطاني، صاحب وعد بلفور، أيضا. هذا هو الإشكال بعينه: إذا كان الفلسطينيّون شعبا، هنا وفي الضفّة وغزّة ومناطق الانتشار الأخرى، فمعناه أنّ الدولة اليهوديّة قامت على أرض الفلسطينيّين، على أنقاضهم، بالقوّة وبمساعدة الغرب. وإذا كان الفلسطينيّون شعبا فلكلّ شعب، أيضا، حقّه في تقرير مصيره. هل شرحت بذلك ما دلالة إصرار الحكومة الإسرائيليّة، في المفاوضات الدائرة هذه الأيّام، على ضرورة  الاعتراف بإسرائيل دولة يهوديّة؟ أظنّني بلّغت!

تعريف دولة إسرائيل هو  مسألة شائكة أيضا، من وجهة النظر اليهوديّة ذاتها. هم يعرفون، ونحن نعرف أيضا، أنّ إسرائيل أقامتها الحركة الصهيونيّة، الأوربية العَلمانيّة، بالتعاون مع الغرب؛ مع بريطانية بوجه خاصّ. هرتسل نفسه كان عَلمانيّا رغم كثاثة لحيته. والصهيونيّين الأوائل، كما تعلّمنا في دروس التاريخ، لم تكن فلسطين خيارهم الوحيد لإقامة الدولة اليهوديّة. أمّا اليهود المتديّنون فيرون أنّ قيام إسرائيل كان تحقيقا لوعد يهوه في التوراة. هذا هو التناقض الصارخ بين اليهود المتديّنين، على اختلاف مشاربهم، واليهود  العَلمانييّن على اختلاف أحزابهم وإيديولوجياتهم. حاولوا حلّ هذا التناقض المبيّت عن طريق  اللغة بتسمية إسرائيل "دولة"، لا "جمهوريّة" ولا "مملكة". لكنّه تناقض مبدئي، لا لفظي، ولا يمكن تبعا لذلك حلّه لغويّا فحسب.

المسألة إذن مسألة مبدئية هامّة. تهمّ الفلسطينيّين وتهمّ الدولة اليهوديّة على حدّ سواء. لذا يصعب علينا، وعلى اليهود في ظنّي، الأخذ بمقترح الأستاذ بشارات أنّه " حان الوقت لأن يتوقّّف الديمقراطيوّن اليهود والعرب عن الرقص على ناي اليمين، ولأن يعرّفوا الدولة التي يريدون العيش فيها ". ليست الأمور بهذه السهولة يا أستاذ!    

 

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.