الكاتب دنيال سنجر يشتكي في مجلة «ذي نايشن» من أن الناس ينظرون فقط إلى عيوب الشيوعية، فيما هي كانت «محاولة جوهرية للتغيير ...

الحنين إلى الشيوعية!

 

كاثي يانج*

 

 

 

بينما كانت الألعاب الأولمبية في سوتشي تجري على قدم وساق، أثارت قناة «إن بي سي» الأميركية نقاشاً قديماً يتمثل في تساهل بعض الليبراليين الغربيين مع الشيوعية، رغم جرائمها وتجاوزاتها الخطيرة. فخلال قراءته لتقرير يتناول الحفل الافتتاحي للألعاب، تطرق الممثل بيتر دينكلاج إلى تاريخ روسيا، محيلا إلى «الثورة الروسية التي أعطت للعالم إحدى أهم التجارب الإنسانية»!

 

والحقيقة أن النظرة الوردية للشيوعية التي يعبّر عنها بعض المثقفين الأميركيين أحياناً، هي طريقة في التفكير ما زالت منتشرة في أوساط اليسار، وتمتد للإعلام الليبرالي. فقد كتب الناشط جيسي مايرسون، مقالا بعنوان «لماذا أنتم مخطئون بشأن الشيوعية؟»، مدعياً أن الهدف من مقاله تفنيد بعض المعلومات المغلوطة حول الشيوعية، كالزعم بأنها تسببت في قتل 110 ملايين شخص في الاتحاد السوفييتي السابق لمقاومتهم نزع الملكية الفردية. فهذا الرقم، يقول مايرسون، غير حقيقي. لكن ما لا يشير إليه صاحب المقال هو «الكتاب الأسود للشيوعية» الصادر عام 1999، والذي يضع عدد القتلى بسبب تجاوزات الشيوعية في 20 مليون شخص. ومع أن الرقم لا يرقى إلى 110 ملايين قتيل، فإنه يظل عدداً ضخماً.

 

أما المغالطة الأخرى التي يتصدى لها مايرسون فهي حصر الضحايا في المناهضين للشيوعية، قائلا إن هناك مؤيدين سقطوا بسبب دفاعهم عنها وصدامهم مع المعسكر الرافض. والواقع أنه في جميع الأحوال كانت الشيوعية مسؤولة عن القتلى، سواء الذين سقطوا منافحة عنها أو الذين عارضوها. وإمعاناً في تلميع صورة الشيوعية يذكر مايرسون بالدور الذي لعبه الاتحاد السوفييتي في التصدي للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، أما عندما يتعلق الأمر بالثورة الثقافية الصينية التي أطلقها ماو تسي تونج باعتبارها إحدى بنات أفكار الشيوعية، فإن مايرسون ورفاقه يتنصلون منها، قائلين إنها لا تمثل الشيوعية الحقة!

 

وسرعان ما يستدير هؤلاء للهجوم على الرأسمالية، قائلين إنها لا تخلو من مشاكل، وعلى رأسها التغير المناخي الذي يقولون إنه قتل العديد من الأشخاص، متناسين أن الاتحاد السوفييتي والدول التي كانت تدور في فلكه لم تكن بدون صناعة، بل كانت صناعتها متخلفة ما يعني أنها نفثت من الغازات السامة أضعاف ما نفثته معامل الغرب.

 

ولئن كان مايرسون يتموقع في أقصى اليسار، فإن كتاباً آخرين ينتمون إلى الوسط يدافعون أيضاً عن الشيوعية، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما كتبه المعلق الشهير في «نيويورك تايمز»، نيكولاس كريستوف، الذي قال خلال عرضه لكتاب عن سيرة ماوتسي تونج، إن هذا الأخير قدم خدمات جليلة للصين، وأن مسيرته لم تكن وبالا كلها. والأمر نفسه ينطبق على المحرر السياسي بمجلة «ذي أتلانتيك»، ديفيد جراهام، الذي امتدح أحد المطربين الأميركيين المعروف بشيوعيته، لأن التزامه كان شديداً بمبادئ المساواة التي دفعته لاعتناق الماركسية، بل ساوى بين هذا التوجه ومساندته لحركة الحقوق المدنية في أميركا، وحتى بعد صدور «الكتاب الأسود للشيوعية»، نجد كاتباً مثل دنيال سنجر يشتكي في مجلة «ذي نايشن» من أن الناس ينظرون فقط إلى عيوب الشيوعية، فيما هي كانت «محاولة جوهرية للتغيير»، مضيفاً أن أي مسعى لشيطنة هذه المحاولة يقضي على الأمل «في التغيير مستقبلا».

 

والمشين حقاً هو هذا البحث عن مبادئ ومُثل أثبت الزمن انفصالها عن الواقع، فالتوق الطبيعي لإحقاق العدالة والمساواة في بعض أوجه الرأسمالية، دفع البعض للإشادة بأنظمة شمولية حولت الشعوب إلى وقود لانحرافاتها، بل وارتكبت جرائم يندى لها الجبين.

 

·         كاتبة ومحللة سياسية أميركية

 

-----

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.